تكرّر اسم قرية سرار العكّارية مع بداية تفاقم أزمة النفايات وبدء الحديث عن حلول محلّية لها. أخبار يومية تذكر فيها القرية ومكبّها ومشروع مطمرها واسم وحيد يرتبط بها، خلدون الياسين وشركة «الأمانة العربية» للمقاولات. أين تقع سرار؟ ولماذا اختيرت موقعاً لنقل النفايات، وماذا عن الياسين وشركته؟
لدى توجّهك الى قرية سرار في منطقة الدريب شمال عكّار، تخال أنها فعلاً «في آخر الدنيا». تجتاز قرى عديدة في السهل، ومساحات زراعية، وجواب مَن تسألهم عن الطريق واحد: “إسّا لقدّام». أحد الطريقين المؤديَين الى القرية (عبر الكويخات ــ الحوشب) لا يُنصح بسلوكه بالسيارة، إذ تخترقه كل أنواع الحفر والتعرّجات. متى كانت آخر مرّة زار فيها مسؤول هذه المنطقة؟ لماذا يسكت الأهالي عن هذا التردّي في طرقاتهم؟ أين البلديات؟ أسئلة لا يمكن كبحها لدى عبور الطرقات التي تصل قرى وبلدات السهل بعضها ببعض.
سرار لا ترتفع كثيراً عن سطح البحر (حوالى ٢٠٠ متر) تقع على أطراف سهل عكّار على تلّة صغيرة تطلّ على بلدة العبّودية الحدودية ويفصلها عن سوريا وادٍ وهضبة. الواصل الى سرار يخال نفسه للوهلة الأولى أن هناك أجزاءً أخرى للقرية في الناحية الثانية من التلّة. لكن، لدى سؤال أحد السكّان تدرك بأن القرية بكاملها هي عبارة عن خمسة منازل ومسجد صغير. طريق أساسية واحدة داخل القرية تتوزّع على جانبيها منازل خمسة وفيلّا قيد البناء كلّها على رأس التلّة. تنتهي الطريق عند دار أحد المنازل. يتفرّع من طريق القرية الأساسية عند مدخلها مفرقان: واحد يؤدي الى الوادي، وآخر يخرجك منها باتجاه بلدة التليل التي تصلك بالطريق العام.
المفاجأة لا تتوقف عند قلّة عدد قاطني القرية ومنازلها، بل تزداد لدى معرفتك بأن السكّان هم أفراد عائلة واحدة، أي أب وأشقّاؤه الخمسة. عائلة الياسين يسكنون سرار ويملكون جميع أراضيها. بعض أجزاء تلك الأراضي حُوّلت منذ عام ١٩٩٥ الى مكبّ للنفايات، وما بدأ كمبادرة فردية من كبير آل الياسين بتنظيف شاطئ عكار تحوّل عام ١٩٩٧ الى شركة مسجّلة باسم «شركة الأمانة العربية» تجمع النفايات من بعض قرى المنطقة حتى باتت اليوم مشروعاً ضخماً يشمل معظم مناطق عكّار وبلداتها.
تحيط بسرار قرى
التليل والقشلق وهيتلا وعمار البيكات وشير حمَيرين
في الطريق المؤدّي الى وادي سرار، تتقاطر الشاحنات الآتية من مختلف بلدات عكار لتفريغ حمولتها من النفايات، وقد كُتب عليها “بلديات”. جزء من التلّة تحوّل إلى مستودع لتكديس البلاستيك والحديد، وجزء آخر فيه جرّافات تحفر الصخور وتنقل التراب لطمر النفايات المفرّغة منذ ساعات الصباح الأولى.
الشاحنات التي تنقل نفايات القرى والبلدات (منذ منتصف الليل حتى السابعة صباحاً) تابعة لشركة الياسين والجرّافات أيضاً. تتكفّل الشركة بالاتفاق مع البلديات بجمع النفايات وتأمين نقلها من وإلى المكبّ. حالياً، تعمل الشركة مع حوالى ١٠٠ بلدية في عكّار تمتد من العبدة (جنوب المحافظة) حتى وادي خالد (أقصى الشمال) وذلك وفق اتفاقيات وتكلفة يحدّدها عدد الوحدات السكنية والمسافة التي تفصل القرية عن المكبّ.
آل الياسين يملكون ٤ ملايين متر مربّع من الأراضي التي يشغلها المكبّ وتلك المحيطة به. يخُصص لنفايات عكار حالياً ١٠ آلاف متر مربع تستوعب حوالى ٣٠٠ طنّ نفايات يومياً.
“سنخصص لنفايات بيروت ٨٠٠ ألف متر مربع من مساحة الأراضي»، يقول صاحب شركة «الأمانة العربية» خلدون الياسين ويذكّر بأنه «لم يتبلّغ رسمياً بعد أي قرار باعتماد مكبّه لاستقبال نفايات بيروت».
صاحب الشركة الشاب يقول بثقة إن مكبه قادر على استيعاب الكمّية المعلنة حتى الآن أي ٥٠٠ طن و»كمية أكبر في حال قرروا ذلك». لكن الياسين يردف «لن نستقبل أي كمية من النفايات مهما كان حجمها إذا فُرضت علينا أو إذا تمّ وضعنا تحت الأمر الواقع وسنقفل المكبّ بوجهها».
شروط الاستقبال
حماسة صاحب الشركة وحرصه على استكمال مشروع والده الذي درّ له ولعائلته أرباحاً كبيرة، يظهر في تشديده على أنه يجب «معالجة المشكلة من جذورها ومتابعتها وعدم الاكتفاء بإرسال النفايات الى المكبّ». كيف؟ يوضح الياسين أنه يجب إنشاء مطمر صحّي لمعالجة النفايات، وهنا يذكّر بمشروع عرض عليه عام ٢٠١٤ بتمويل من الاتحاد الأوروبي خصص ٧ ملايين دولار لمعالجة النفايات في عكار (و٧ ملايين أخرى للبقاع) «وافقت الوزارات المعنيّة عليه واجتمعنا معهم وشرحوا لنا في فيلم مصوّر كيف سيتمّ الطمر واتخذوا من مطمر في قبرص نموذجاً للمشروع… لكن كلّ شيء توقّف فجأة عند مجلس الإنماء والإعمار ولا نعرف حتى اليوم ماذا حلّ به»!
الياسين يشير الى أنه بدأ بفرز النفايات في مكبّه منذ عام ١٩٩٥ وهو حتى اليوم يعتمد في ذلك على الطريقة البدائية اليدوية. “ننقل البلاستيك والحديد الى بورة في منطقة العبدة، أما الكرتون فكانت تأخذه شركة ميموزا لكنها توقّفت عن ذلك منذ فترة». ويجزم “في حال قررت الحكومة اعتماد مكبّ سرار يمكن إنجاز مطمر يستوفي الشروط الصحية خلال ٣ أشهر».
الياسين يتابع تحرّكات أهل المنطقة الرافضة لاستقبال نفايات بيروت، ويبدي تعاطفاً معهم و»يتفهّمهم»، ويقول «أنا ابن عكار وعائلتي تسكن في سرار ولن تغادرها… ولا أريد أن يلحق أحد الضرر بالمنطقة».
لذا، يقول الشاب إن قبوله بالمشروع «لن يتمّ إلا وفق شروط مثل وجود لجنة لمراقبة كمية النفايات التي سترسل من بيروت وتوضيح آلية النقل وتحديد مهلة زمنية منطقية (أشهر) لإنشاء مطمر صحّي يراعي الشروط البيئية والصحية والاستعانة بخبرات مؤهلة لذلك والالتزام بتوزيع عادل للنفايات على المناطق كي لا تتحمّل عكار العبء الأكبر”. أما السعر الذي يعتمده الياسين حالياً فهو ٣٠ دولاراً للطن الواحد، كما أشار، “ما دام هناك حلول جذرية لن نقبل بأن نستمر بمعالجة النفايات على طريقتنا» يشدد الياسين.
مخاوف القرى المجاورة
يحيط بسرار عدد من القرى مثل التليل والقشلق وهيتلا، ويحدّ المكبّ قرية عمار البيكات شرقاً وخراج بلدة شير حمَيرين غرباً. بعض أهالي بلدة القشلق يبدون انزعاجهم من «الروائح الكريهة المنبعثة من المكبّ» ويذكّرون بحادثة حريق مخزن الكرتون التابع للمكبّ عام ٢٠١٠ حيث «كدنا نقتل من الدخان الملوّث». “من سيضمن لنا عدم تكرار تلك الحادثة مع كميات نفايات أضخم؟» يسأل بعض السكّان. أهالي القشلق نفّذوا اعتصامات رمزية منذ عام ٢٠١٠ وأصدروا بيانات اشتكوا فيها من «عدم تمكّنهم من زراعة أراضيهم القريبة من المكبّ بسبب تلوّث التربة والهواء».
بعض أهالي قرية التليل التي تقع مباشرة فوق سرار على التلّة ذاتها عبّروا أيضاً عن قلقهم من استقبال كمية أكبر من النفايات «لسنا منزعجين حالياً من المكبّ… لكننا نجهل كيف ستصبح الأمور بعد وصول الكمّيات الكبيرة من بيروت».
صاحب الشركة يؤكد من جهته أنه «طوال السنوات الماضية لم يشتك أهل القرى المجاورة من أي ضرر تسبب به المكبّ ولا حتى من روائح كريهة»، إذ يحرص كما يقول على «رشّ المكان بالمواد اللازمة والمواد القاتلة للجراثيم التي تمنع انبعاث الروائح الكريهة». أما حريق ٢٠١٠ فيؤكّد أنه «كان مفتعلاً من قبل بعض العابثين».