لا يحتاج اللبنانيون الى التقارير الدورية والنصف سنوية والسنوية التي تصدرها الامم المتحدة أو مراكز الأبحاث كالتي كان آخرها تقرير “مجموعة الازمات” للتأكد من ان دولتهم ذاهبة نحو تآكل وانحلال اكيد على أيدي طبقة سياسية انتهازية. لا يحتاجون الى وصفات يتخوف عبرها صانعو الاستراتيجيات الدولية من ذوبان آخر معالم الدولة عندنا فيما يذهلهم ان هذا الانحلال لم يصبح بعد واقعا ناجزا. وكيف للبنانيين ان يلتفتوا الى المعاينات الخارجية الى لبنان وهم الذين تطبعوا من زمان مع طبائع سياسية هي ذروة في الانتهازية والأنانيات القاتلة التي افضت بأحوال الناس الى التوحد فعلاً في اليتم الوطني ولعله عامل الوحدة الحقيقي والوحيد في لبنان اليوم.
ها نحن عشية مجلس وزراء تضرب له الطبول كأننا على موعد مع موقعة العصر في حلقات المصارعة الرومانية ومبارزاتها، أو كأن السرايا الحكومية، فرضت عليها وظيفة مستجدة واستحالت “كولوسيوم” يتحول فيه الوزراء اشبه بمصارعي روما التاريخ في “تقديم” حلبة المبارزات للجمهور نموذجا فذا للحكم بعنوان “آلية” متهالكة لمجلس الوزراء. وترانا نسأل ماذا بقي من الحكومة أصلا ومن مجلس الوزراء بعد التجويف المنهجي الناجز لكليهما حتى يعاد جلدنا بهذا القصاص الدوري مع كل جلسة؟ ها نحن نقيم على أكوام النفايات التي تجتاح مدننا ومناطقنا تباعاً وليس في المشهد سوى وزير متظلم من وحشة تركه منفردا في مواجهة النقمة الصاعدة. ها نحن نسأل اين الحكومة وأين القوى السياسية ولبنان يعود مسرحاً لخطف الأجانب وتفاقم الجرائم الفردية والمنظمة؟ ها نحن نبحث عن “مسؤولية” مسؤولين يحترمون صفتهم، فإذا بنا امام وعد بجولة تصفية حسابات جديدة في الحكومة المشلولة؟ ونتساءل بعد هذا اي قيمة لكل الثرثرة الفارغة التي تملأ فراغ الايام والأسابيع الفاصلة بين جلسة واُخرى ما دام الخط البياني الواضح الذي لا يحتاج الى بصارات وقارئات كف أفصح من اي بيان؟
هذا الذي يجري هو الانحلال بعينه الذي صار وراءنا وامامنا كأمر واقع ناجز لا اكثر ولا اقل. والوهم الاكبر، بل الخداع الاكبر، هو ان يقال ان لبنان بدأ يتلقى ترددات هذا التطور الخارجي أو ذاك، بل انه التلفيق الكاذب لاصطناع اهمية غير قائمة في واقع لبنان الحالي. هذا الجاري فينا وعلينا الآن ليس الا الانهيار الموصوف للطبقة السياسية المتهالكة بعدما استنفدت صلاحية مسؤوليتها الى ابعد الحدود والسقوف وسقطت سقوطا ذريعا في ما صنعته أياديها. سنة وأربعة اشهر منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية صارت مستنقع “الأسيد” الذي وقع في حفرته مجموع الطبقة السياسية ولا حاجة بهم وبنا الى مزيد من الثرثرة.