وأخيراً… وبعد نفاذ الصبر الميثاقي، أستُنْفرتْ «سرايا» المقاومة لدى التيار الوطني الحر ضدّ التمديد للقيادة العسكرية، وكان القرار بتوجيه رسالة تحذيرية الى الحكومة، إذا ما تغاضت عنها، «ستكون أزمة في النظام» وأزمة في الشارع.
وأعلن رئيس التيار أنَّ هذه الرسالة موجهة الى جميع الشركاء دونما استثناء يعني: الى كلِّهم، وبين هؤلاء الـ«كلِّهم»، شريكٌ يلتقط يمين التيار مشدودةً نحو الشمال، وشريك يلتقط يسار التيار مشدودة نحو الجنوب، وبين الشمال والجنوب يتمطّى التيار في الوسط بين ضباب المسافات، وبين صديقك وعدوّ صديقك الذي هو صديقك.
وفيما يعتبر الللبنانيون حسب أُغنيتهم المشهورة «الريح الشمالي غيَّر اللّونا» يعتبر الصينيون أن «ريح الشمال هي الهابّة بالأرواح الهائجة، فيما الريح الجنوبية هي ريح الصالحين…».
هذه التسميات التي تُعرف بالتحالف والشركاء والحلفاء، تكاد تكون مخلوقاً عجائبياً هو أشبه بالمستحيلات الثلاثة عند العرب: «الغولُ والعنقاء والخلّ الوفي».
ومع هذا… فهم الأوفياء والحلفاء والشركاء: متفقون ومختلفون معاً، متفقون على شيء ومختلفون على أشياء، متفقون على الحكومة ومختلفون في الحكومة، متفقون على إسم رئيس الجمهورية ومختلفون على الجمهورية وعلى الرئاسة وعلى السياسة في لبنان وسائر المشرق.
نحن، من حيث المبدأ نؤيد التيار الوطني الحرّ الذي ينتفض ضدّ الخلل الميثاقي، إلّا أنه أساء اختيار التوقيت واختيار المضمون الذي هو التمديد لقائد الجيش نتيجة تخلّف مجلس الوزراء عن التعيين.
لا نوافقه على التهويل بهذا النزول الى الشارع «مثلما نزلنا الى الشارع من أجل حرية لبنان، فقد ننزل الى الشارع من أجل كرامة الشعب اللبناني» على ما يقول رئيس التيار.
على عهد الوجود السوري كان النزول الى الشارع يعتبر صعوداً نحو الحرية.
والنزول الى الشارع «من أجل كرامة الشعب» تحت عنوان التمديد لقائد الجيش، هو سقوط نحو قعر الفراغ، لأن الجيش وحده اليوم هو الذي يحفظ كرامة الشعب التي هُدِرَتْ على يد السياسيين.
وإخال التيار الوطني الحر يدرك جيداً أنّ الميثاقية تتعرّض لخطر ذريع إذا ما استتبع الشغور الرئاسي بالشغور في قيادة الجيش، وهما المنصبان الأبرزان للميثاقية المسيحية في الجمهورية المطروحة في المزاد العلني والمزاد السرّي.
نحن، أكيد، لا نريد للتيار الوطني الحر، إلا أن تنتصر الوطنية والميثاقية على يده دونما إخفاق، لأنه الجناح المسيحي المتفوق في قوة الساعد وصلابة السطوة ومهابة النفوذ.
وتمنينا ونتمنى أن يترَّبع «عماده» على كرسيّ الرئاسة لو لم تكن معادلة الحلفاء والشركاء شبيهة بتلك التي أعلنها الشاعر الفرزدق حين التقى الإمام الحسيني على طريق العراق، ولمّا سأله ما إذا كان الحلفاء من أهل العراق يؤيدونه في الخلافة قال الفرزدق: «إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك».
ولكنّ المفارقة هنا، هي أن الجنرال يحسن جيداً لعبة تشابك السيوف.