IMLebanon

“أيام اللولو ما هلَّلولو”

“أيام اللولو ما هلَّلولو”، فيوم كانت الجيوش في المنطقة العربية بل في العالم الثالث كله “تنتفض” على الأنظمة القائمة في دولها، استبدادية كانت أو ديموقراطية بالاسم فقط، بهدف تحسين أوضاع شعوبها أو استرجاع حقوق مسلوبة (فلسطين مثلاً) وأراضٍ محتلة، يومها امتنع الجيش اللبناني عن التشبُّه بها. ولم يكن موقفه ناجماً عن تعفُّف وإيمان بالديموقراطية الجزئية والنسبية التي كان يعيشها اللبنانيون، بل عن إدراك باستحالة تنفيذ “انتفاضة” أو انقلاب عسكري ناجح جراء انقسام الشعب اللبناني علانية طائفياً بين المسلمين والمسيحيين، كما جراء انقسام المسلمين مذهبياً، علماً أنه كان وقتها نائماً. والتجربة نصف العسكرية – المخابراتية التي حكمت لبنان قرابة 12 سنة بعد “ثورة 1958” لم تدم بسبب عدم تحمّل اللبنانيين آثارها ولأسباب أخرى إقليمية. فأطاحتها انتخابات “ديموقراطية” اختزنت داخلها كل عوامل الانقسام الداخلي وكل عوامل التدخّل الخارجي. والتجربة “الانقلابية” العسكرية خلالها لم يقيَّض لها النجاح على الاطلاق لأسباب مشابهة ولغياب “دعم” إقليمي – دولي لها. أما النظام الأخير اللبناني – السوري المشترك الذي حكم رسمياً بين 1989 و2005 فلم يكن مصيره أفضل. إذ أطاحته حركة داخلية رافضة رغم انقسام اللبنانيين بين مؤيِّد له ورافض انطلاقاً من مواقف طائفية ومذهبية وليس من أي منطلق آخر. وما كان ذلك ممكناً لولا الدعم الدولي المبارك عربياً الذي تجلّى في قرار مجلس الأمن أواخر عام 2004 الذي يحمل الرقم 1559.

لذلك فإن تمنيات لبنانيي اليوم أن يتدخل الجيش بعدما عرّى “الحراكُ المدني” “الطقم السياسي” المتورِّط بغالبيته بكل ما أوصل الدولة إلى الثورات والحروب السابقة وإلى “الكوما” أو الموت السريري الحالي، وقد يكون ذلك إنجازه الوحيد، لا تبدو قابلة للتحقُّق. فانقسامات الداخل بلغت حدّها الأقصى، وانقسامات اللبنانيين حوَّلتهم “شعوباً” في صورة رسمية. والحرب العسكرية بينهم دائرة خارج لبنان. والحرب السياسية مستعرة بينهم أيضاً داخله. وأي تطوّر إقليمي خطير عسكرياً كان أو سلمياً لا بد أن يوقعهم في حرب مباشرة داخل وطنهم. وقد نتجت من الانقسامات المشار إليها أمور ثلاثة بالغة الخطورة والدلالة. أولها فرض اللامركزية، وإن فوضوية، نفسها في لبنان انطلاقاً من مهزلة النفايات الكارثية. وهي مرشّحة مستقبلاً إلى التحول فيديرالية وربما تقسيماً لا سمح الله أو تعديلا لجغرافية الكيان الوطني. ذلك أن جلوس وزير خارجية لبنان مع 15 وزير خارجية دول كبرى ومتوسطة وصغرى لا يعني أبداً أن بلاده لن تكون على طاولة البحث والتقسيم أو التعديل عندما يحين الوقت كما قال. وثانيها، غياب المواطنة في لبنان رغم تبجّح الطوائف والمذاهب وأمرائها بها، فضلاً عن الأحزاب، ورغم تمنينهم اللبنانيين بالعمل لترسيخها. وثالثها، الجشع الذي أُصيبت به غالبية “الطقم السياسي” وغالبية الزعامات “العريقة” والقيادات والزعامات التي أفرزتها حرب الـ15 سنة ونسبة كبيرة من الحركات السياسية والحزبية والمرجعيات الدينيّة. والأخطر من ذلك هو أن الجشع أصاب ابناء لبنان ولا أقول مواطنيه لأنهم غير موجودين. بناء على ذلك كيف يمكن الجيش أن يتحرّك كما يطالبه الناس فهو مكوّن منهم. وعيوبهم موجودة داخله رغم اجتهاد القيادة لتحييدها ولإبقاء وحدته بمساعدة “الطقم السياسي” لها. وهي مساعدة من أجل تلافي الفوضى الشاملة والمحافظة على المواقع والمصالح وليس من أجل دفع الجميع إلى إعادة بناء الدولة وترسيخ الأسس المزَعزَعة للكيان اللبناني. ولهذا السبب نجح الجيش في مهمات أمنية عدة مستفيداً من عدم نضج العالم العربي المنهار للحلول والتسويات، ومن رغبته والمجتمع الدولي في المحافظة على الاستقرار الحالي للبنان وإن هشاً جداً. لكن لنجاحه سبباً آخر هو إدراك قيادته أن الاندفاع بقرار منها للإمساك بالبلاد وفرض الأمن فيها أو الذهاب إلى الآخر بقرار من القيادة السياسية (الحكومة) في القضاء على البؤر الأمنية المنتشرة في طول البلاد وعرضها سيتسبَّب بإظهار الانقسام الكامن في القلوب والنفوس في مؤسستها وبينها وبين المؤسسات الأخرى، وربما يشرِّع الأبواب أمام امتداد نيران الحرب الأهلية – المذهبية – الطائفية من شقيقة لبنان سوريا إليه.

ماذا يجري في لبنان فعلياً بعد الـ “كوما” أو الموت السريري للمؤسسات الدستورية الثلاث وللادارات والمؤسسات العامة التي صارت، وأعتذر عن هذا التوصيف، “حارة كل مين إيدو إلو”؟