11-12 حزيران مؤتمر روسي – إسلامي في موسكو وبوتين لرؤية مشتركة حول مواجهة التطرّف
زاسبكين: ما حدث في أوكرانيا حال دون انفراج في الأزمة السورية
ارتياح دبلوماسي روسي لوجود المجموعة الدولية التي توفّر غطاء الاستقرار الأمني في لبنان
الهواجس التي تعتري موسكو كثيرة. فروسيا، من وجهة نظر الدبلوماسية الروسية، هي مستهدفة من أوكرانيا إلى سوريا، والهدف إسقاط النظام الروسي في نهاية المطاف. يذهب السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبيكين إلى الاعتقاد بأن المرحلة الراهنة هي أخطر من مرحلة الحرب الباردة. فيومذاك كانت الخطوط الحمر معروفة، وكان ثمة معسكر اشتراكي لديه حيثيته واستقلاليته، أما اليوم فروسيا جزء من الاقتصاد العالمي ومرتبطة به، ومن هذا الباب يتم الضغط عليها.
من الواضح أن أوكرانيا شكّلت ضربة قوية لروسيا، ضربة في عقر دارها، تترك آثارها الاقتصادية والمالية والسياسية عليها، ولا سيما أن الانفتاح على الغرب آل إلى ضرب البنية الاقتصادية الروسية حيث أن المستشارين الغربيين نصحوا موسكو بالتخلص من الصناعات التحويلية، ومع غياب الزراعة باتت تعتمد على تصدير المواد الأولية والتجارة. اليوم ثمة قرار في إعادة النظر في مرتكزات الاقتصاد الروسي. خطوة قد تكون تأخرت بعض الشيء.
تأزم العلاقات بين روسيا وأميركا وفقدان التفاعل من شأنه أن يجعل فرص الوصول إلى تسويات، حيث الأزمات مشتعلة، هي فرص أقل. هذا هو واقع الحال في سوريا. فرغم الانطباعات التي سادت مع الانهيارات التي شهدها النظام السوري مؤخراً في بعض المواقع الميدانية، بأن ثمة تراجعاً روسياً – إيرانياً في دعم النظام، تبدو الصورة مختلفة بالعين الروسية: لا تغيير في الموقف والنهج. المعادلة هي دعم النظام الذي لموسكو علاقات معه منذ عشرات السنين، ودعم الجهود نحو التسوية التي كانت «مبادرة جنيف1» محرّكها الأساسي كنتاج لعمل أميركي – روسي. ولكن ما حدث في أوكرانيا ترك انعكاساته على مختلف الملفات، ومنها الأزمة السورية. ليس في الأفق ما يؤشر إلى انفراجات. المدخل إلى ذلك توفر رغبة مشتركة بين الطرفين. وهذا لا يبدو واضحاً مع إعلان واشنطن عن دعمها المعارضة بالسلاح والتدريب. كانت هناك رغبة أميركية في ما خص نزع السلاح النووي، فحصل التوافق الروسي – الأميركي وشكل ذلك مكسباً دولياً. اليوم تغيب الرغبة الأميركية حيال التسوية السياسية. وهي موجودة فقط حول البرنامج النووي الإيراني ليس إلا.
الكل يُدرك أن لا حل عسكرياً في سوريا، وأن مدخل التسوية هو الاتفاق على الحل لدى أميركا وروسيا، ولدى الأطراف الإقليمية، ذلك أنه إذا كان الهدف لدى البعض هو إسقاط النظام، فإن السؤال الروسي كان دائماً ماذا بعد؟ ما هي الترتيبات؟ ومن البديل؟
الأمر الذي سعى أكثر من مرة السفير الروسي إلى إيضاحه أن موسكو ليست متمسكة برئيس معيّن أو فئة حاكمة. صحيح أن لديها موقفاً مبدئياً ضد التدخّل الخارجي لتغيير الأنظمة حتى لو كان المسمى «الربيع العربي»، ولكن إن كان للتغيير أن يحصل، فلا بد من أن يأتي باتفاق داخلي قد لا يؤول إلى خلافات وحروب داخلية على غرار ما هو حاصل في ليبيا. بمعنى أن أي حل لا بد من أن يسبقه توافق سياسي يكون مرتكزه حفظ مؤسسات الدولة والجيش بالدرجة الأولى.
الجديد في اللغة الروسية، تلك الرغبة في أن تكون موسكو خارج لعبة المحاور ومنفتحة على الجميع وتتحرّك مستقلة وفق ما يحفظ مصالحها. هذا ما عبّرت عنه في الموقف من اليمن مع دعم المبادرة الخليجية. كان ثمة نوع من العمل المشترك، وامتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على القرار 2216، حين لم يؤخذ باقتراحاتها حول منع السلاح عن كل الأطراف، لكنها لم تستخدم حق النقض. لم تتعامل مع الأزمة اليمنة على غرار ما تعاملت مع الأزمة السورية قبل أربع سنوات. حاذرت الوقوع في قطيعة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وجعل روسيا في موقف معقد ومعزول. تركت الباب مفتوحاً على المناورة السياسية، وعلى إمكان التواصل مع الاطراف كافة.
السياسة «البراغماتية» هي السياسة التي ينتهجها الكرملين. هو يراقب ما سيؤول إليه الاتفاق النووي الإيراني. حين تسأل السفير الروسي عن المخاوف من أن يأتي هذا الاتفاق على حساب روسيا اقتصادياً، يرد بكل ثقة من أن اللاعبين كثر في المنطقة. هناك إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية والخليج. بالنسبة لروسيا، هي على صلة بالجميع، وعلاقاتها رهن تطوّر الأمور. فلا مواقف مسبقة من التحالفات التي قد تحملها التطورات المستقبلية. المعيار هو المصلحة المشتركة، والعدو هو الإرهاب.
لا متغيرات في شأن لبنان ولا رئاسة في الأفق. إلا أن ما يريح الدبلوماسية الروسية وجود المجموعة الدولية لدعم لبنان التي توفر في حقيقة الأمر الغطاء الدولي للبنان الذي يعيش نوعاً من الاستقرار الأمني الداخلي على رغم الحرائق من حوله، وهو وإن كان مرشحاً للاستمرار إلا أنه مرتبط بما قد تؤول إليه التطورات في سوريا، ذلك أن تقدّم التنظيمات المتطرفة في المناطق المتاخمة للبنان قد يشكل خطراً على لبنان.!
تدرك روسيا أن خطر الإرهاب والتنظيمات المتطرفة ليس محصوراً في بقعة من العالم دون سواها. خطر ذاقته سابقاً، وتعي اليوم أنه يحتاج إلى مدّ علاقات وجسور وأواصر صداقة مع العالم الإسلامي، لدرء مخاطر توغل التطرّف في المجتمعات الروسية والدول الإسلامية التي كانت في الأمس جزءاً من الاتحاد السوفياتي.
في الغد، ما بين الحادي عشر والثاني عشر من حزيران، ستستضيف موسكو مؤتمراً إسلامياً – روسياً يرعاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيشهد مقاربة جديدة بين روسيا والعالم الإسلامي. إنها نتاج رؤية مستقبلية لسبل المعالجات الناجعة لدرء المخاطر المتأتية عن الإرهاب والتطرّف، ولما يمكن أن تكون عليه التحالفات الجديدة!