قدّمت بلدية بيروت ١٠٠٠ متر من الفضلات العقارية لتنفيذ مشروع ساحة ساسين
قبل حوالى سنتين، بدأت دراسة مُخطّط جديد لتطوير ساحة ساسين في الأشرفية. التصميم أصبح جاهزاً، وكذلك الدراسات الأوّلية. يبقى أن يطرح المجلس البلدي في بيروت دفتر الشروط في تشرين الأول المقبل، ومن المفترض أن تنطلق الأعمال مع بداية الـ٢٠١٨. تكلفة المشروع ستبلغ ١٠ ملايين دولار تغطيها البلدية
بيوت حجرية قديمة، أو بنايات في بعض الأحيان. في محيطها بساتين الحمضيات، والأشجار المُزهرة. هكذا كانت الأشرفية قديماً، قبل أن تتحول إلى منطقة مكتظة في بيروت، وكانت ساحة ساسين ملتقى لأبناء الأشرفية وإحدى أهم نقاط المدينة.
خلال الحرب الأهلية، ومع بدء تردّي الأوضاع الاقتصادية والتطور المديني العشوائي، بدأت «ساسين» تفقد هويتها كـ«ساحة»، وتتحول إلى مُجرّد موزع مروري. جادة الاستقلال قسمت المحيط إلى منطقتين، ثم أتت جادة ألفرد نقاش (نفق مار متر) لتقسم المحيط إلى أربعة أقسام. انعكس ذلك سلباً على ساحة ساسين، التي تحولّت إلى نقطة الالتقاء الوحيدة للأقسام الأربعة، وبات لا يُمكن الوصول إلى أيّ منها من دون المرور بـ«الساحة». في العادة، تكون الساحات نقطة انطلاق نحو تطور الحياة الاجتماعية للبيئات. العكس هو ما حصل في لبنان، وليست ساحة ساسين إلا مثالاً عن التراجع الذي أصاب الحياة الاجتماعية للسكان، المحرومين من أبسط حقوقهم: مساحات عامة مفتوحة تُشكل متنفساً لهم.
يقول نائب بيروت الأولى (بحسب التقسيمات الانتخابية القديمة)، نديم الجميّل، إن الأشرفية تحتاج الى إعادة خلق التواصل والترابط بين المجتمع والساحة. ويضيف أنّ «الناس بحاجة إلى مساحات عامة، ومكان بإمكانهم السير فيه». بغياب الساحة، شكّل مُجمع «ABC» التجاري «مكان استقطاب للناس. أردنا أن تلعب الساحة هذا الدور، وتعود إلى هويتها الطبيعية كمكان جامع للمحيط». انطلاقاً من هنا، بدأت في عام ٢٠٠٥ دراسة مخطط إعادة تأهيل ساحة ساسين والمنطقة المحيطة بها، التي تتألف من شوارع فرن الحايك، أديب اسحاق، الياس بعقليني، سيوفي، الغزال، الاسكندر. وقد وضع الدراسة مكتب الهندسة المعمارية والاستشارات الهندسية «QED».
في البداية، «قمنا بدراسة التطور الذي أصاب بيروت منذ عام١٨٤٠، وكيف قسّمت جادّتا الاستقلال وألفرد نقاش الأشرفية وأصبحت الساحة نقطة التقاء للأقسام الأربعة»، تشرح المهندسة منى رزق. بعدها حُدّدت «المدارس، دور العبادة، المراكز التجارية في المنطقة، وتأثير مُجمع ABC على زحمة السير وانعكاسه على اقتصاد الاشرفية». في النتيجة، تبيّن أنّ ساحة ساسين تضم كلّ عوامل الجذب السكاني، ولكن هي ليست بيئة حاضنة للمشاة، والتشوّهات فيها عديدة: عدم وجود ممرات واضحة للمشاة، المسافة طويلة بين التقاطعات المختلفة، ما يجعل مدة الضوء الأخضر لإشارات السير غير كافية حتى تمر السيارات، ووجود العديد من المواقف غير الشرعية، فضلاً عن الفوضى البصرية، والعدد الكبير من الأعمدة واللافتات.
دُرس وضع السير في الأشرفية، في ساعات الصباح وبعد الظهر، للاتجاهات الـ١١. الأكثر ازدحاماً هو اتجاه كنيسة السيّدة (١٠٣٨ سيارة في الساعة صباحاً، و١١٥٦ سيارة في الساعة مساءً). أما الأقل زحمة، فهو الطريق نحو مار متر (١٠٣ سيارات في الساعة صباحاً، و١٠٩ سيارات في الساعة مساءً). لذلك، «إقفال هذا الأخير، وإيجاد بديل منه، بإمكانه أن يخفف زحمة السير بنسبة ٦٠٪»، على ذمة رزق، إضافة إلى «إزالة المواقف غير الشرعية، وتقصير المسافات بين التقاطعات، من دون إغفال أهمية إعادة إحياء الاقتصاد في الاشرفية. فباستثناء عدد من المطاعم والمقاهي، لا يوجد تجارة».
إعادة تأهيل ساحة ساسين ستمتد على سنتين وتُقسّم الأشغال إلى أربع مراحل
الأمور الأساسية المبتغاة من التصميم، أن يكون: صديقاً للمشاة، سهل الوصول إليه، آمناً ومريحاً، مندمجاً مع المحيط ومتكاملاً، منظّماً، جاذباً للسكان، حيوياً، مكاناً سهلاً تمييزه، ومستداماً. و«هناك نماذج عدّة لساحات من حول العالم تُشبه ساحة ساسين، قدمناها إلى البلدية»، بحسب رزق.
يقول الجميّل إنّ الخيار رسا على «أن يكون لدينا تقاطع ونُنظّم الشوارع ونخلق مساحات عامة كبيرة». وفق المُخطط الجديد، أصبحت مساحة الساحة حيث يوجد تمثال الرئيس الراحل بشير الجميل ١١٥٠ متراً مربعاً. وسيتم «سَقف المنطقة فوق نفق مار متر، فأصبح هناك ٣٠٠٠ متر مربع، إضافة إلى خلق ساحة ثالثة بمساحة ٩٣٠ متراً مربعاً». تقول رزق إنّ «الساحات الثلاث ستكون مكشوفة. واستفدنا من ١٠٠٠ متر قدمتها البلدية من الفضلات العقارية». فتكون مساحة ساحة ساسين في المحصلة قد أصبحت ٥٠٨٠ متراً مربعاً.
من أجل الوصول إلى الساحة، طُوّرت الأرصفة المخصّصة للمشاة. تُخبر رزق أن الأرصفة «ستصبح بعرض مترين و٤٠ سنتم، وهو الحدّ الأدنى المسموح به عالمياً». وبالنسبة إلى مواقف السيارات، «فإضافة إلى موقف الـABC، استملكت البلدية موقفين، لا تتعدى المسافة بينهما وبين الساحة ٣٥٠ متراً».
الإنارة التي ستُستعمل هي من نوع الصمام الثنائي الباعث للضوء (LED). وستتم الاستعاضة عن النسبة الكبيرة من الأعمدة الكهربائية بعدد من الأعمدة الذكية التي يكون لها استخدامات مُختلفة. أما بالنسبة إلى الأشجار والزهور، فقد وقع الخيار على الأنواع التي كانت موجودة أصلاً في الأشرفية: الحمضيات، الغار، أكاسيا، الجكراندة… مع «وجود ٤٥٠ متراً مكعباً من خزانات المياه».
يبقى الأهم: تنفيذ المشروع «الذي سيُكلّف ١٠ ملايين دولار، تدفعها البلدية»، وانعكاس الاعمال السلبي على حياة الناس. الأكيد أنّ زحمة السير ستزداد سوءاً، لا سيما أنّ الأعمال من المفترض أن تبدأ بداية الـ٢٠١٨، أي مع عودة التلاميذ إلى المدارس، وموسم الأعياد، ووجود عدد من المغتربين في البلد، وفي ظلّ عدم ثقة اللبنانيين بأنّ الدولة ستعمد إلى إيجاد حلول تُخفف من حدّة الأزمة. وتشرح رزق أنّ «المشروع من المفروض أن ينتهي بغضون ٦ أشهر»، ولكن «ستمتد الأعمال على نحو سنتين، لأنه لا يوجد إمكانية لإقفال المنطقة والقيام بالأشغال دفعة واحدة، بل سيتم تقسيمها إلى ٤ مراحل». هذا إن لم تتأخر البلدية في طرح دفتر الشروط، المفترض أن يبدأ العمل بداية تشرين الأول المقبل.