يشاء البعض أن يُلبس مهمة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد في لبنان صفة الفرض أو الضغط لصالح إسرائيل على حساب لبنان. غير أنّ ما تريده تلّ أبيب وكذلك واشنطن ضمناً لا يُمكن أن يُفرض على بلد ذو سيادة، على ما قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بعد خروجه من اجتماعه مع ساترفيلد «لشو بدو ينشغل بال اللبنانيي على النفط والبلوك 9، معنا ما بينشغل بالن عالسيادة».
مهمة ساترفيلد التي بدأها في لبنان منذ أكثر من أسبوعين وجال خلالها على الرؤساء الثلاثة وعلى وزيري الخارجية والمغتربين والطاقة، لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً. وأفادت أوساط ديبلوماسية موثوقة إنّ الموفد الأميركي سُلّم مهمة التفاوض بين لبنان وإسرائيل على الحدود البحرية والبرّية من قبل حكومة بلاده وقد لا يُغادر المنطقة قبل إيجاد الحلّ النهائي لها، علماً أنّه من المرجّح أن يتأخّر. فساترفيلد يُغادر بيروت اليوم الى تلّ أبيب بعد أن التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي مجلس النوّاب والوزراء لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي تيلرسون الى لبنان وبعض دول المنطقة، لنقل موقف لبنان اليها. علماً أنّه أتى حاملاً موافقة إسرائيل لا بل تمنّيها في الحصول على 40 في المئة من الثروة النفطية البحرية في المنطقة الإقتصادية الخالصة المتنازع عليها بينها وبين لبنان والتي تبلغ مساحتها 860 كلم مربع، على أن ينال لبنان 60 في المئة، وفق ما يُسمّى بـ «خط هوف» (نسبة الى الموفد الأميركي فريديريك هوف الذي قام بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في العام 2012 من خلال رسم خط بحري حمل اسمه).
غير أنّ الأوساط أكّدت أنّ ساترفيلد سينقل لإسرائيل موقف لبنان الموحّد والمتمثّل بالحفاظ على السيادة اللبنانية وعدم القبول بالتفريط ولا بأي شبر من الأراضي اللبنانية ولا بحقّه في الثروة النفطية التابعة لحدوده الجغرافية المعترف بها دولياً منذ العام 1923، فضلاً عن تمسّكه برفض «خط هوف» أي تقاسم ثروته من النفط والغاز مع إسرائيل، وبعدم فصل الحدود البحرية عن البرّية. كما أنّ لبنان لن يتنازل عن حقوقه لأي كان، «فما لنا هو لنا وما لإسرائيل هو لإسرائيل ونحن من خلال ذلك نسعى لإيجاد حلول عادلة لنا وللجميع»، على ما أكّد رئيس الحكومة سعد الحريري خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمعه بتيلرسون.
واشارت المعلومات الى أنّ ساترفيلد تمكّن من خلال إصرار لبنان على موقفه الموحّد الذي سمعه من المسؤولين اللبنانيين المعنيين كافة، من أن يخرج بأفكار جديدة سوف يطرحها على تلّ أبيب، لكي يستطيع لبنان أن يبدأ باستثمار حقول النفط والغاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لحدوده. وهذه الأفكار التي تحفّظت الأوساط عن البوح بها بهدف إنجاح المفاوضات لا علاقة لها، على ما ألمحت، بمبدأ مقايضة سلاح «حزب الله» بأي تنازل من قبل لبنان، أو بفرض «خط هوف» عليه، وقد تتعلّق بإيجاد الحلول لاتفاقية حول حدود نهائية عند الخط الأزرق قد تجعل إسرائيل تعيد النظر في استكمال بناء الجدار الأمني عند الحدود الجنوبية للبنان… وتأمل التوصّل الى حلّ أو تسوية نهائية في هذا السياق، في حال اتفق الطرفان على ذلك.
كما يجب الأخذ بالإعتبار أنّ كلّ بلوك نفطي له مكامن عدّة في قعر البحر قد تمتدّ الى الدول المجاورة، الأمر الذي قد يفرض نفسه على مبدأ تقاسم الحصص بين الدول (لبنان وقبرص وإسرائيل) بدلاً من أن تقوم إسرائيل بمفردها بسحب كلّ من يمكنها من النفط والغاز منها في الفترة الراهنة التي تسبق بدء الأعمال اللبنانية بسنة.
ولأنّ أحداً لا يشكّ بانحياز الولايات المتحدة الأميركية الى الجانب الإسرائيلي، رغم تأكيد تيلرسون من لبنان على «إنّنا ننخرط مع الطرفين ولن نطلب من أي منهما التخلّي عن أي شيء، بل نطلب منهما إيجاد الحلول»، فإنّه على الجانب اللبناني التوصّل الى حلّ هذا النزاع مع إسرائيل في أسرع وقت ممكن، بحسب الاوساط نفسها، سيما وأنّه لن يتمّكن من الإستفادة من ثروته النفطية إذا ما بقي الحال على ما هو عليه. فالشركات التي وقّعت على اتفاقية تلزيم التنقيب والإستخراج لن تتمكّن من البدء بأعمال الحفر من أجل استخراج النفط والغاز في البلوك 9، في حال بقيت إسرائيل متمسّكة بحقّها فيه. علماً أنّ إسرائيل قد بدأت منذ أكثر من عام في عمليات التنقيب في رقعة تبعد 4 كلم فقط عن المنطقة البحرية التابعة للبنان، وتنوي تخصيص كميات النفط والغاز المستخرجة منها لمستوطناتها الشمالية كافة.
وأوضحت الاوساط، بأنّ توقيع العقود مع تحالف شركات «توتال» الفرنسية و»نوفاتك» الروسية و«إيني» الإيطالية والذي أعطى الضوء الأخضر لهذه الأخيرة ببدء أعمالها والتي ستستهّلها، على ما يُفترض في العام المقبل، قد أدخل لبنان في نادي الدول النفطية، الأمر الذي أرهب إسرائيل ولهذا تُحاول منع لبنان من خلال ادّعاءاتها وأطماعها من دخول هذه التجربة المربحة له والتي من شأنها أن تُنعش اقتصاده بشكل كبير، ما يؤثّر عليها سلباً.
غير أنّ كلّ ما تفعله إسرائيل اليوم لن يوقف لبنان، على ما شدّدت الأوساط نفسها، ولا الشركات المعنية التي قرّرت البدء بأعمالها في البلوك 4 كما في الجهة الشمالية من البلوك 9 الذي يُعتقد أنّه غزير بالثروة النفطية كونه رملي، وهو على غرار بعض البلوكات في المناطق البحرية المصرية التي تمّ استخراج النفط منها بكميات كبيرة، بل سيمضيان قدماً في تسريع الخطوات. ولكن لا أحد يمكنه منذ الآن معرفة ما إذا كان النفط أو الغاز موجود فعلاً في هذين البلوكين وبكثرة، على ما تتوقّع الشركات قبل بدء أعمال حفر الآبار.
وفيما يتعلّق ببناء الجدار الفاصل الذي تحاول إسرائيل إظهار حسن نيّتها بإبعاده عن النقاط الـ 13 المتنازع عليها بينها وبين لبنان، والتي تمّ التوافق على 7 منها فيما تبقى 6 قيد الدرس، لقاء قبول لبنان بتقاسم ثروته النفطية معها، فإنّ الأوساط ذاتها تشكّ في أن يُشكّل هذا الجدار حماية مطلقة لإسرائيل. وتجد بأنّ هذه الأخيرة من خلال هذا الجدار وذلك الذي بنته في قطاع غزّة إنّما تقوم بعزل نفسها بدلاً من حمايتها. وتشير الى أنّها تتذرّع بتقديم التنازلات في الوقت الذي تعلم فيه تمام المعرفة بأنّه لا يُمكنها البناء عند النقاط الخلافية، وإلاّ فإنّها ستعرّض نفسها لمواجهة مع «حزب الله» لا أحد يريدها في المرحلة الراهنة بالذات.
وإذ تلتزم الحكومة اللبنانية بالنأي بنفسها عن شؤون الدول العربية والنزاعات الخارجية في المنطقة وتطبّق القرار 1701، غير أنّه لا يمكنها التغاضي مطلقاً عمّا تقوم به إسرائيل بحراً وبرّاً من تعديات على ثروته النفطية وعلى أجزاء من أراضيه، على ما شدّدت الأوساط، لاستفزاز لبنان أو «حزب الله» فيه. وهذا ما سينقله ساترفيلد الى تلّ أبيب اليوم سيما وأنّ حكومة بلاده والمجتمع الدولي ككلّ يصرّان على المحافظة على الأمن والإستقرار في لبنان لاعتبارات عدّة.