عندما تواصلت السفيرة الاميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد مع رئيس حزب الكتائب سامي الجميل وابلغته رسالة محددة مفادها ان مسؤولا اميركيا كبيرا سيزور لبنان «خلال ساعات» ويريد ان يلتقي بقيادة الحزب في «الصيفي»، لم يتردد بالترحيب «بالضيف» على الرغم من عدم افصاح ريتشارد عن هويته «لدواع امنية»، ولم تحدد ايضا، اسباب الزيارة، او جدول اعمالها، لكن لماذا اللقاء «بالكتائب»؟ ولماذا الآن؟ هذا السؤال الذي تجيب عنه اوساط كتائبية بالتاكيد ان دايفيد ساترفيلد وادارته اخيرا اقتنعت بوجود معارضة فاعلة خارج السلطة، ارادت ان تسمع لمختلف الاصوات خصوصا تلك التي تتلاقى في بعدها «الوطني» مع الخطوط العامة للسياسة الاميركية اتجاه لبنان، لناحية رفض السلاح خارج الاطر الشرعية، وعدم القبول «بالهيمنة» الايرانية او السورية على الساحة اللبنانية، وغيرها من الملفات المتصلة بوجود تماهي في نظرة الاميركيين و«الصيفي» حيال اختلال التوازنات في داخل الحكومة الحالية لصالح الفريق المحسوب على حزب الله.. لكن هل جاء ساترفيلد الى بيروت فقط ليبلغ حزب الكتائب انه اخيرا اقتنع بصوابية طروحاته وافكاره التي ابقته خارج «نعيم» السلطة…؟
طبعا لا، ما تقدم هو «تبسيط» لماهية الادوار المناطة بمساعد وزير الخارجية الاميركية الذي بات معروفا بدوره «كسمسار» نفطي لدى الاسرائيليين، وبحسب اوساط نيابية اطلعت على «كواليس» لقاءاته، جاء ساترفيلد الى لبنان ولديه قناعة تامة، بان ما آلت اليه الامور عقب الانتخابات النيابية، وبعد «كباش» استمر 9 اشهر سبق تشكيل الحكومة، انتج ما هو غير مرض لادارته، وهو لم يات لتغيير «قواعد اللعبة» التي جرى التفاهم عليها مع السعوديين تحت معيار واحد وهو «تقليل الخسائر» بعدما صار واضحا انه لا يمكن تحقيق اي انجازات على الساحة اللبنانية، وقد استمر حلفاؤه بتقديم التنازلات حتى الدقائق الاخيرة قبل «ابصار» الحكومة «النور»..ولهذا يمكن القول بان الدبلوماسي الاميركي الذي جاء «يحرض» في السر والعلن على حزب الله لا يرغب في «قلب الطاولة»، وكلامه عن ضرورة أخذ اللبنانيين للمبادرة، وعدم الرضوخ لبعض التاثيرات الخارجية، والمقصود هنا حصرا ايران، لا يعدو كونه «تنظيرا» في السياسة، بعدما تبين انه لا يحمل معه «وصفة» جاهزة تسمح بتغيير الوقائع على الارض…
ووفقا لتلك الاوساط، فان ساترفيلد الذي جاء يمهد لزيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، حمل معه هذه المرة عنوانا «آخر» لطبيعة «المواجهة» المقبلة مع حزب الله، وهو للمرة الاولى دخل في تفاصيل «الحرب» الاقتصادية التي تنوي بلاده تفعيلها ضد ايران ومن اسماهم «بأزرعها» في المنطقة، وهو جاء «مهولا» على الحلفاء، ومحذرا من عدم استجابتهم او تعاونهم مع الاستراتيجية الاميركية التي ستؤدي حكما برايه الى اضعاف الحزب داخل لبنان وفي الاقليم، ووفقا لما تسرب عن لقاءاته مع وزراء القوات اللبنانية ومع رئيس حزب الكتائب، وكذلك مع رئيس الحكومة سعد الحريري، والنائب السابق وليد جنبلاط، كان المبعوث الاميركي واضحا في توجيه «اللوم» لهم لما آلت اليه الامور على صعيد «هشاشة» تحالف قوى «الاستقلال» وتصدعه، دون ان يظهر اي قناعة بمسؤولية واشنطن عن هذا التراجع، مع العلم ان الكثير من «الملاحظات» الجدية قدمت له في «بيت الكتائب» «وكليمنصو» حيال ضعف ردود فعل ادارة الرئيس دونالد ترامب حيال المحور الآخر خصوصا في سوريا ما سمح لحزب الله باستثمار «صمود» النظام السوري في الداخل اللبناني..
وفي هذا السياق، تشير تلك المصادر الى ان ساترفيلد «لمح» الى ان ادارته لن تتسامح هذه المرة مع اي تساهل من قبل القوى «السيادية» في المعركة الاقتصادية اتجاه حزب الله، ونصح «بالابتعاد» عن كل ما يمكن ان يكون له صلة بالمؤسسات المدنية او الاقتصادية التابعة للحزب، لان ادارته لن تكون متساهلة مع اي تعامل في «الباطن» مع اي من تلك «الشركات» التي لم يسميها او يقدم لائحة معنية حولها، وقد استغرب من استمع اليه هذه المقاربة غير الواقعية حيث لا توجد في الاصل اي «شراكة» من قريب او بعيد مع الحزب او مؤسساته، وقد تدخلت السفيرة الاميركية اكثر من مرة لشرح الموقف على حقيقته، مشيرة الى ان المقصود هو التعامل المباشر وغير المباشر من قبل القطاع المصرفي مع شخصيات يمكن ان تكون محسوبة على حزب الله، اويمكن تصنيفها ضمن البيئة الحاضنة التي يجب «معاقبتها» ايضا هذه المرة لانها تشكل «المتنفس» الحقيقي الذي يمكن للحزب ان يلتف من خلالها على العقوبات…
ووفقا للمعلومات، كان «الهم» الاول لمن التقاهم ساترفيلد، التشديد على ضرورة عدم اعتماد الولايات المتحدة على عقوبات «عشوائية» قد تطال مصالح اقتصادية حليفة لها في لبنان، وكان ثمة حرص شديد على ضرورة الفصل بين مصالح حزب الله ومصالح الدولة اللبنانية والقطاع المصرفي، وقطاع الشركات والمؤسسات الخاصة التي لا تدور من قريب او بعيد في «فلك» الحزب، وقد وعد ساترفيلد بتقديم تقرير شامل مع توصيات حيال هذا الامر الى وزير الخارجية الاميركية قبيل زيارته المرتقبة الى لبنان، لكنه كان واضحا لجهة ربط هذا الامر «بتعاون» تلك الجهات مع العقوبات الاميركية على حزب الله، ولفت الى ان السفارة الاميركية تعد لائحة مطالب عملية ستنجز بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية، وهي تتضمن مطالب محددة تتجاوز الدعم «المعنوي» الى «مقترحات» عملية مطلوبة من كل «الحريصين» على «الصداقة» مع الولايات المتحدة..طبعا حسب تعبير ساترفيلد.
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان من شملتهم جولة الدبلوماسية الاميركية «فهموا» ان زيارة بومبيو لن تكون فقط ردا على زيارة نظيره الايراني محمد جواد ظريف الى بيروت، او لقطع الطريق امام اي استثمار ايراني في لبنان، وانما ستكون بداية اطلاق عملية تشديد الحصار المالي على حزب الله، وهذه المرة تريد واشنطن من حلفائها «التجسس» على الحزب وتقديم ما يفيد من معلومات في هذه المواجهة المفتوحة، من خلال عملية «ابتزاز» واضحة عنوانها «عليكم ان تساعدونا» والا لن تكونوا بمنأى عن تدعيات العقوبات، وعلم في هذا السياق ان السفارة الاميركية في بيروت ستتولى الامور «اللوجستية» لشرح كيفية «تفعيل التعاون» وثمة قائمة طويلة تضم اسماء شخصيات وشركات تسعى الولايات المتحدة للحصول على معلومات «مفصلة» حولها للاشتباه بتعاونها مع حزب الله، والعون مطلوب من الحلفاء لتسهيل «المهمة»..