Site icon IMLebanon

ساترفيلد نقل موافقة اسرائيل على العودة الى «خط الهدنة» ما يعني تحييد المزارع والتلال عن الترسيم

 

للمرة الثالثة في غضون أسبوعين يعود مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الى بيروت لنقل الردّ «الإسرائيلي» على مطالب لبنان فيما يتعلّق بملف ترسيم الحدود البحرية والبرّية، والآلية التي سيجري اعتمادها للقيام بهذا الترسيم. فهل سيؤدّي تحرّكه المكوكي هذا لإجراء المفاوضات «غير المباشرة» بين لبنان والعدو الإسرائيلي الى التوصّل الى حلّ نهائي لمسألة الترسيم، وهل سيحصل لبنان على حقوقه كاملة جرّاء هذه المفاوضات التي سترعاها الأمم المتحدة بوساطة أميركية؟!

 

الأجواء التي نقلها ساترفيلد للمسؤولين اللبنانيين بدت إيجابية، بحسب مصادر سياسية مواكبة، لجهة موافقة العدو الإسرائيلي على إطلاق المحادثات بشأن الترسيم. وهذا الأخير سيتناول حُكماً ترسيم الحدود البحرية والبريّة سيما وأنّ المنطقة الإقتصادية الخالصة يجري تحديدها عادة بين الدول التي تُشرف على منطقة بحرية معيّنة متداخلة، وذلك بالتوافق فيما بينها، كما انطلاقاً من تملّك كلّ دولة للسيادة على مياه البحر انطلاقاً من سواحلها أو إقليمها البرّي، وفق ما حدّدتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في جامايكا للعام 1982. وتقول بأنّ المادة الثالثة من هذه الإتفاقية تنصّ على أنّه «لكلّ دولة الحقّ في أن تُحدّد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً مقاسة من خطوط الأساس وفقاً لهذه الإتفاقية». فيما ذكرت المادة الرابعة منها أنّ «الحدّ الخارجي للبحر الإقليمي هو الخط الذي يكون بُعد كلّ نقطة عليه عن أقرب نقطة على خطّ الأساس مساوياً لعرض البحر الإقليمي». أمّا المادة 15 من اتفاقية قانون البحار فتذكر بأنّه «في حال كانت سواحل دولتين متقابلة ومتلاصقة، لا يحقّ لأي من الدولتين في حال عدم وجود اتفاق بينهما على خلاف ذلك – أن تمدّ بحرها الإقليمي الى أبعد من الخط الوسط الذي تكون كلّ نقطة عليه متساوية في بُعدها عن أقرب النقاط على خط الأساس الذي يُقاس منه عرض البحر الإقليمي لكلّ من الدولتين».

 

ولهذا على لبنان اعتماد الخرائط المعترف بها رسمياً لتحديد خطّ الأساس العادي لقياس عرض البحر بما يضمن حقّه في الرقعة البحرية المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي والتي تبلغ 860 كيلومتراً مربّعاً. على أنّ سيادة كلّ دولة، بحسب الإتفاقية نفسها، تمتدّ الى الحيّز الجوّي فوق البحر الإقليمي وكذلك الى قاعه وباطن أرضه، وتشمل المياه الإقليمية أيضاً البحيرات والقنوات والأنهار الموجودة أو الجارية ضمن الإقليم.

 

ويحتاج ترسيم الحدود، على ما عقّبت الاوساط، الى موافقة المندوبين اللبنانيين و«الإسرائيليين» الذين سيجتمعون عندما تُطلق صفّارة بدء المفاوضات في مقرّ قيادة «اليونيفيل» في الناقورة على الأرجح، سيما وأنّ الإجتماعات بين الجانبين برعاية الأمم المتحدة غالباً ما تحصل فيه. وأشارت الى أنّ المشاركين في هذه المفاوضات سيكونون على الأغلب من العسكريين والخبراء والمتخصّصين في مجال الطوبوغرافيا، علماً بأنّهم سيعودون بالنتائج الى المسؤولين السياسيين لتتمّ الموافقة على المقترحات أو رفضها أو تعديلها.

 

وأوضحت الاوساط، بأنّ المفاوضات ستطرّق الى التوصّل الى الحلّ النهائي للنقاط الخلافية الـ 13 عند «الخط الأزرق» والتي سبق وأن تمّ التوافق على 8 منها، والتي تُشكّل مساحتها نحو 5 كيلومتر مربّع، ويُطالب لبنان بأن تبقى ضمن الحدود اللبنانية الرسمية، لأنّ «الخط الأزرق» قد قضمها أثناء الترسيم بعد الإنسحاب «الإسرائيلي» في العام 2000. وعلى ما نقل ساترفيلد، فإنّ العدو الإسرائيلي، على ما يبدو، قد وافق على العودة الى خط الهدنة أو «الخط الأخضر» الذي جرى رسمه على طول الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، على ما نصّت عليه اتفاقية الهدنة الموقّعة مع لبنان في 23 آذار 1949، والتي قد سحبت «إسرائيل» قوّاتها، على أساسها، من 13 قرية في الأراضي اللبنانية التي احتلتها أثناء الحرب، ما يعني العودة الى الحدود الأساسية للبنان وليس الى «خط الإنسحاب».

 

أمّا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، فمن المتوقّع أن يتمّ تحييدها عن ترسيم الحدود البريّة، سيما وأنّها تحتاج الى ترسيم الحدود مع سوريا أولاً. وهذا الملف يبدو أكثر تعقيداً في هذه المرحلة بالذات، سيما وأنّ الحكومة السورية لم تقم حتى الآن سوى بالإعتراف الشفهي بأنّ مزارع شبعا هي أراضٍ لبنانية، فيما تطلب منها الأمم المتحدة تقديم الوثائق والمستندات الرسمية التي تُثبت صحّة ما تقوله.

 

وفي رأي المصادر بأنّ موافقة «إسرائيل» على رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات، رغم أنّها لا تُطبّق القرارات الدولية الصادرة عن هذه المنظمة الدولية، إنّما يدلّ على استعجالها بدء المفاوضات وإنهاء الملف لكي يتسنّى لها التفرّغ لاستخراج الغاز الطبيعي في المنطقة البحرية المحاذية للبنان، والإستفادة من تسويقه الى الدول الأوروبية من دون إضاعة المزيد من الوقت، علماً أنّ أعمالها تسير بشكل طبيعي فيها في المرحلة الراهنة، إلاّ أنّها تبقى قلقة من حصول أي أمر طارىء يعيق عملها أو يوقفه.

 

غير أنّ لبنان الذي يودّ بفارغ الصبر أن يبدأ «تحالف الشركات» العمل في البلوكين 4 (في منتصف كانون الأول المقبل) و9 (بعد أشهر) في المنطقة الإقتصادية الخالصة لاستخراج الغاز والنفط الطبيعيين منهما، لن يكون مستعجلاً لإنهاء المفاوضات بالسرعة القصوى، على ما تريد واشنطن، سيما وأنّه يودّ أخذ الوقت الكافي لدراسة جميع المقترحات، وذلك تفادياً للوقوع في أي خطأ نتيجة السرعة. فما حصل مع قبرص خلال الإتفاق الشفهي معها، لن يُكرّره لبنان، على ما أكّدت المصادر نفسها، لكي لا يسمح للجانب الإسرائيلي من الإستفادة من أي ثغرة أو هفوة.

 

من هنا، ليس من فترة محدّدة لبدء المفاوضات والإنتهاء منها، على ما عقّبت الاوساط، سيما وأنّ تطبيق الآلية التي سيتمّ التوافق عليها، يحتاج الى بعض الوقت. ولهذا استبعدت التوصّل الى الإتفاق النهائي على ملف الترسيم بين لبنان و«اسرائيل» بالتزامن مع إعلان الإدارة الأميركية لـ«صفقة القرن» والذي يتوقّع أن يحصل في غضون أسابيع أو شهر على الأكثر. غير أنّ مجرّد الموافقة على البدء بالمفاوضات، فإنّ ذلك يُظهر العدو الإسرائيلي وكأنّه يريد فعلاً «إحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط»، على ما تنصّ عليه الصفقة، كما يُبعد شبح عرقلتها من قبل إيران، من وجهة النظر «الإسرائيلية»، سيما عندما تجد أنّه يُوافق على التفاوض لإيجاد حلول نهائية للنزاعات القائمة بينه وبين لبنان.

 

وتقول المصادر نفسها، بأنّ الأسابيع المقبلة ستشهد متابعة ساترفيلد لجولاته بين لبنان و«إسرائيل» توصّلاً للتوافق على اللمسات النهائية لشكل المفاوضات ودور كلّ الأطراف المعنية بها، لا سيما دور كلّ من لبنان والعدو الإسرائيلي، والدور المرتقب للأمم المتحدة في ترسيم الحدود البحرية، على ما سبق وأن ساهمت في ترسيم الحدود البريّة، فضلاً عن دور المُراقب أو الوسيط الأميركي الذي قد يكون ساترفيلد نفسه كونه مطّلعاً على كلّ ما يجري في المنطقة سياسياً وديبلوماسياً، وحتى عسكرياً.