مع كل زيارة جديدة لمُساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، تكثر التساؤلات والتحليلات بشأن الإجابات «الإسرائيليّة» التي يحملها في ما خصّ سلسلة الإقتراحات اللبنانيّة المُرتبطة بملفّ ترسيم الحدود. واليوم، يتكرّر «السيناريو» نفسه، بعد أن كانت أجواء التشاؤم قد طغت خلال الأسبوعين الماضيين، نتيجة إنقطاع ساترفيلد عن نقل الإجابات «الإسرائيليّة» بشأن الإقتراحات المَذكورة لفترة زمنيّة طويلة نسبيًا، بدأت تحديدًا في 12 حزيران. فما هو جديد هذا الملفّ؟
بحسب مصدر دبلوماسي إنّ الوسيط الأميركي سيُعود إلى بيروت الثلثاء المُقبل، حاملاً معه مجموعة من الإجابات «الإسرائيليّة» بشأن ما كان تبلّغه ساترفيلد من المسؤولين اللبنانيّين خلال مُحادثاته السابقة معه، في ملفّ ترسيم الحُدود. ولفت إلى أنّ لبنان يُعطي أهمّية لأن تكون المُحادثات المُرتقبة مفتوحة وغير مُحدّدة بسقف زمني، تجنّبًا لحرق المراحل أو لفرض وقائع مرفوضة بحكم ضيق الوقت، وذلك بعكس موقف العدو الاسرائيلي الذي يُصرّ على حصر جولات التفاوض ضُمن سقف زمنيّ لا يتجاوز الستة أشهر، إنطلاقًا من رغبته في تسريع وتيرة إستخراج الغاز إلى أقصى حدّ وفي أسرع وقت مُمكن. وتابع المصدر نفسه أنّ لبنان يُطالب بربط ترسيم الحدود على مُستوى الخط البحري الجنوبي، بترسيم الحدود البريّة في الجنوب ومزارع شبعا، وبرعاية وإشراف الجانب الأميركي والأمم المتحدة، بعكس الجانب الإسرائيلي الذي يريد تأجيل الترسيم البرّي، والإكتفاء بترسيم الحُدود البحريّة في المرحلة الراهنة، بحجّة كسب الوقت.
وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أنّ لبنان يرفض بشكل قاطع أي مُحاولة لربط مسألة ترسيم الحدود البحريّة، بأي إجراءات أمنيّة حُدوديّة، تتجاوز ما هو مُطبّق حاليًا في الجانب اللبناني من «الخط الأزرق»، بعكس العدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى تعزيز سُلطات قوّات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب، ويُطالب بتفعيل الإنتشار العسكري للجيش اللبناني في الجنوب عُمومًا وعلى الحُدود خُصوصًا، ويضغط للحُصول على تعهّدات بشأن مُعالجة وضبط أنشطة حزب الله الأمنيّة، وبنيته الصاروخيّة التي تُهدّد العمق «الإسرائيلي».
وأضاف أنّ الجانب اللبناني كان حازمًا بضرورة حصر النقاشات بالشأن التقني الخاص بالخط البحري تحديدًا، من دون منح «الإسرائيليّين» أيّ مكاسب أمنيّة مجانيّة لا من قريب أو بعيد، خاصة أنّ لبنان مُلتزم بتطبيق وبتنفيذ كل التعهّدات والإجراءات التي رعتها الأمم المتحدة بعد «حرب تمّوز» من العام 2006. وتابع المصدر أنّ الجانب اللبناني غير مُتحمّس أيضًا للمطلب «الإسرائيلي» بالسماح للشركات العالمية المُلتزمة التنقيب في المياه الإقليميّة الجنوبيّة، بالمُباشرة بعمليّات المسح التي تشمل في جانب منها مناطق بحريّة متنازع عليها، لأنّ الجانب اللبناني يخشى من أن تفرض هذه الخطوة وقائع ميدانية قبل بتّها وحسمها رسميًا برعاية الأمم المتحدة، بينما يُروّج الجانب الإسرائيلي لها بحجّة أنّها مُهمّة للطرفين كونها تسمح بكسب وقت ثمين تمهيدًا لبدء أعمال حفر الآبار وإستخراج الغاز فور التوافق على ترسيم الحُدود.
وكشف المصدر الدبلوماسي أنّه بمُجرّد إطلاع ساترفيلد المسؤولين اللبنانيّين على الإجابات «الإسرائيليّة» على المطالب اللبنانيّة، سيُصبح إطلاق كُرة المُفاوضات غير المُباشرة بشأن ترسيم الحُدود، بين الوفدين اللبناني و«الإسرائيلي» في مقرّ قيادة «اليونيفيل» في الناقورة إعتبارًا من تمّوز، بيد الجانب اللبناني. وأوضح أنّه في حال وافق الجانب اللبناني على ما يحمله ساترفيلد من ردود «إسرائيليّة»، سيُصبح الطريق مَفتوحًا أمام إطلاق المُفاوضات في الأسابيع القليلة المُقبلة، أي خلال شهر تمّوز. وأضاف المصدر نفسه أنّه في المُقابل في حال رفض الجانب اللبناني الرُدود «الإسرائيلية»، فهذا سيعني إضطرار الوسيط الأميركي إلى التوجّه مُجدّدًا للقاء المسؤولين «الإسرائيليّين»، ثم العودة إلى لبنان مرّة أخرى، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من تأخير، علمًا أنّه في هذه الحال ستتراجع فرص التفاؤل بشكل ملحوظ، بسبب تمسّك الطرفين بالنقاط الخلافيّة، إضافة إلى التأثير السلبي للتغيير المُرتقب للوسيط الأميركي بسبب قرب تولّي ساترفيلد مهمّاته كسفير للولايات المتحدة الأميركيّة لدى تركيا.
وختم المصدر الدبلوماسي كلامه بالتأكيد أنّ التعاطي اللبناني مُختلف تمامًا عن التعاطي «الإسرائيلي» إزاء مسألة ترسيم الحُدود البحريّة، حيث يريد العدو الإسرائيلي تمهيد الطريق لإطلاق أعمال إستخراج الغاز بأسرع وقت، مع محاولة رفع الضُغوط على حزب الله، بينما يريد الجانب اللبناني حفظ حُقوق لبنان بأرضه وبرّه وبحره على السواء، من دون أي تسرّع أو خطوات ناقصة في هذا المجال، ولوّ تأخّرت عمليّات إستخراج الغاز.