حملت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد في الشكل، طابع السعي الى ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل، لكنها في المضمون انطوت على رسائل سياسية ــ أمنية، تتمثّل بحماية الساحة اللبنانية من أي تصعيد قد تشهده المنطقة، بالنظر لارتفاع منسوب التوتر بين الولايات المتحدة وإيران وإمكانية اندلاع الحرب في أية لحظة.
ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الحرب ليست أولويته، وتطمينات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من موسكو، من استبعاد الحرب الا إذا جازفت ايران باستهداف المصالح الأميركية، فإن نذر المواجهة تستعر على الأرض، وهذا يتكشّف تباعاً من خلال استغلال الولايات المتحدة بعض الأحداث التي وقعت أخيراً، عبر عملية التخريب التي تعرّضت لها السفن الإماراتية، وتفجير انابيب النفط السعودية في شرق المملكة، ومحاولة تحميل ايران وحلفائها مسؤولية الأعمال التخريبية رغم إدانة القيادة الايرانية لهذه الأعمال.
وكشفت مصادر مواكبة لزيارة ساترفيلد، أنه أطلع الرؤساء الثلاثة على التطورات التي تشهدها المنطقة، و«الاحتمالات التي قد تذهب اليها، في حال وقعت مواجهة أميركية ـ إيرانية، بالإضافة الى التطورات في وسوريا والعراق واليمن بعد وصول المفاوضات بين الأطراف اليمنية المتصارعة الى حائط مسدود». وأعلنت المصادر أن ساترفيلد «عبر عن قلقه من إمكانية اهتزاز الاستقرار في لبنان في حال ذهبت المنطقة نحو مواجهة دراماتيكية، وهو دعا القيادات اللبنانية بما أسماه (لجم حزب الله) من الانخراط في المواجهة، كونه يملك ترسانة كبيرة من الصواريخ والأسلحة المتطورة، التي قد تجرّ لبنان لحربٍ واسعة مع إسرائيل، وحذّر من أي عمل عسكري يقوم به حزب الله ستتحمّل مسؤوليته الحكومة اللبنانية، باعتبار أن الحزب يملك مع حلفائه أكثرية في هذه الحكومة، وعندها لا يمكن الفصل بين الدولة اللبنانية والحزب». وشددت على أن «الإدارة الأميركية تتحسّب لأي عملية قد ينفذها الحزب تستهدف مصالحها في المنطقة، وعندها ستكون أساليب الردّ قوية وقاسية».
وأشار ساترفيلد بحسب المصادر التي واكبت زيارته للبنان، الى انّ «الولايات المتحدة الاميركية ليس لديها قرار بالحرب، واجراءاتها ضد ايران تقتصر على العقوبات، لكن اذا قررت الاخيرة اللجوء الى الحرب بشكل مباشر، في حال نفّذت تهديداتها بإقفال مضيق هرمز أو استهداف مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة، او عبر استعمال الاوراق التي تملكها سواء في لبنان او العراق او اليمن، فإنّ ذلك سيلقى الرد المناسب، ومن مصلحة لبنان ألا يتورّط في هذه الحرب».
في المقابل، لم يكن الجانب اللبناني مرتاحاً للرسائل التي حملها المسؤول الأميركي، باعتبار أن لبنان أراد حصر المحادثات بترسيم الحدود مع إسرائيل فحسب، وأوضحت المصادر نفسها أن الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية «ركزوا على تمسّك لبنان بسياسة النأي بالنفس والابتعاد عن أي صراع في المنطقة»، وشددوا «على الانتهاء من مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية». وأشارت المصادر الى أن لبنان الرسمي «مهتم بالإسراع في ترسيم الحدود، وتسريع إجراءات استخراج ثروته النفطية، قبل أن تتدهور الأوضاع في المنطقة، ويصبح هذا الأمر في ذيل اهتمامات الأمم المتحدة والإدارة الأميركية المواكبة لهذه الخطوات».
ويأتي اهتمام لبنان بموضوع ترسيم الحدود، خصوصاً البحرية وانهاء النزاع مع إسرائيل حولها، من منطلق أن الشركات العالمية المهتمة بالتنقيب عن النفط اللبناني خصوصاً في البلوك رقم 9، تشترط حصول استقرار أمني قبل المباشرة بعملها، كما أن الدولة اللبنانية مهتمة بترسيم الحدود حتى لا تطغى التطورات على الشؤون اللبنانية الضرورية والملحّة.
صحيح أن ساترفيلد غادر الى تل أبيب لنقل موقف الدولة اللبنانية من مسألة ترسيم الحدود، لكن رسائله الأمنية لا تزال تتفاعل في الداخل اللبناني، حيث رأت مصادر دبلوماسية أن المبعوث الأميركي، لم يأت ليطلع اللبنانيين على أجواء الحرب التي قد تشهدها المنطقة، لأن هذه المسألة تبقى من الاسرار التي يمتلكها دونالد ترامب والقيادة العسكرية الأميركية حتى قبل وقوعها بلحظات، لكنها شددت على أن ساترفيلد «أبلغ المسؤولين اللبنانيين مدى قلق الادارة الأميركية من الدور العسكري الذي قد يلعبه حزب الله والذي قد يجرّ لبنان الى مواجهة لا أحد يرغبها، خصوصاً وأن فرص اندلاع الحرب في المنطقة عالية جداً، وهي تتقدّم على محاولات الاحتواء والتهدئة». وأكدت المصادر الدبلوماسية أن «اهتمام واشنطن بالاستقرار اللبناني، مرتبط بعاملين أساسيين، الأول حماية أمن المجتمع الإسرائيلي من صواريخ حزب الله، والثاني الحفاظ على بقاء النازحين السوريين في لبنان، لأن التصعيد قد يدفع بهم الى الهجرة نحو أوروبا والغرب، وهذا ما يقلق الأميركيين وحلفاءهم».