تطرح الانعطافة التي اتخذتها الأحداث السبت الساخن تساؤلات بالنسبة الى المنتفضين ومجموعات الحراك التي باتت ترى أنها أمام تحدي التنظيم وتقديم رؤية للمستقبل، والأهم، توحيد البرنامج، وهو الأمر اليوم الذي تشوبه تحديات صعبة.
والحال ان مشهد ساحة الشهداء لم يكتمل مع دخول مجموعات من المتظاهرين في صدام مع الجيش اللبناني كما مع أنصار أحزاب في السلطة تحت جسر الرينغ ما مهد لأحداث أخرى خطيرة في أكثر من منطقة.
شكلت تلك الاحداث التي اتخذت طابعاً طائفيا ومذهبياً ضربة خطيرة لمجموعات المنتفضين الأصيلة التي رابطت طويلا في المكان منذ اندلاع شرارة 17 تشرين الأول، وحتى ما قبلها.
وإذا كانت شرائح كبيرة في الحراك قد قاطعت حدث السبت الذي كان مقررا سلميا، نتيجة رفع شعارات رأت فيها انحرافا عن الاهداف المرسومة منذ 17 تشرين، وأهمها يتعلق بسلاح حزب الله والقرار 1559، إلا أن مجموعات مؤسسة في الانتفاضة قررت المضي في التظاهر والنأي بالنفس عن تلك الشعارات التي ترى أنها لا تلقى رواجاً في الحراك.
إضافة الى ذلك، جاء قرار التظاهر بعد فترة من الركود إثر هبوب وباء «كورونا» على البلاد الذي فرض حجراً ذاتياً على المنتفضين، من دون أن ننسى بعض التباين الذي ظهر بسبب رغبة البعض في توفير الفرصة لحكومة الرئيس حسان دياب للعمل.
كل هذه العوامل اجتمعت لدفع مشهد مختلف عن ذلك الذي ميّز الانتفاضة في أسابيعها الأولى. ويبدو أن مُولدي مشهد الانتفاضة يعملون على تنظيم للنفس وابتكار وسائل جديدة وثمة بحث جدي في تأسيس إطار موحد.
«سبعة»: خطف الثورة
في ظل ذلك، يطرح السؤال حول مآلات الانتفاضة بعد أحداث السبت الماضي، فهل ثمة تغيير في أهدافها؟ يُعتبر حزب «سبعة» من مؤسسي مشهد الانتفاضة، وقد نشط على الأرض منذ ما قبل 17 تشرين عبر تحركات في وسط بيروت كان من بينها اقتحام المجلس النيابي.
تؤكد الأمينة العامة غادة غيد لـ«اللواء» «أننا لا نزال على مبادئنا التي انطلقنا منها». هي تشدد على أهمية إعادة تكوين السلطة الذي لا سبيل له إلا عبر إنتخابات نيابية مبكرة.
والواقع أن «سبعة» وحزب «الكتائب» الذي يعتصم مسؤولوه بالصمت لكي يعبر زعيمه النائب سامي الجميل عن مواقفه، كانا من أشد المتحمسين لتظاهرة السبت مع رفض الشعارات الطارئة على المشهد برغم معارضة لا بل مواجهة «الكتائب» لقضية السلاح على منابره الاعلامية، وهو الأمر الذي يسقط نفسه أيضاً على مناصري «القوات اللبنانية» الذين نزلوا «فردياً».
وبالنسبة الى عيد، فإن السلطة لم تفعل سوى في إعادة إنتاج نفسها عبر حكومة دياب التي شكلت قناعا لقوى السلطة. ولذلك فلا شرعية للحكومة التي لن تحقق مطالب «الثوار» كونها الخصم لهم وهي في الأصا لا قدرة ولا نية لها لذلك.
الأولويات جد واضحة بالنسبة الى عيد وغيرها من مطلقي الحراك، هي ترفض «خطف الثورة» عبر مطالب مستجدة عليها ليس وقتها الآن، وتسأل: من هي الجهة التي يمكننا مطالبتها بنزع سلاح المقاومة؟ ألن يؤدي ذلك الى حرب طائفية؟ علينا أن نكون منطقيين، وهذا المطلب يمكن رفعه مع تحقيق الدولة القادرة والقوية، حينها ومع سلطة بديلة توحي بالثقة، نتوصل الى حل بالتوافق.
على أن النقطة السلبية التي شابت ولا تزال مجموعات الحراك تتمثل في تنظيم الذات وتوحيد البرنامج. وهي ثغرة تقر عيد بها، وتدعو الى تخطي التباينات بين المجموعات عبر مجلس قيادي ثوري يحصل على ثقة الثوار وتمثيلهم.
وبرغم حديث البعض في الحراك عن إطار شبيه لذلك، فإن لا علم لعيد بذلك وتضعه ضمن محاولات «احتكار الثورة».
«الكتلة الوطنية»: طرح سياسي موحِد
تحتفظ «الكتلة الوطنية» بمواقف معارضة بجذرية للسلطة وسابقة لتاريخ 17 تشرين الأول.
الأمين العام لـ«الكتلة» التي شرعت في تطوير وتحديث كبيرين منذ مدة وخلعت عباءة التوريث السياسي مقدمة رؤية مناقضة لأحزاب السلطة، بيار عيسى، يعود في حديثه لـ«اللواء» الى فترة ما قبل الانتفاضة التي رفع حزبه خلالها شعارات التغيير ومن ثم رافق الحدث يوما بيوم في الساحات.
في الايام الاولى شرع عيسى وغيره بندوات مكثفة في ساحة العازارية أمام شباب يلتهب حماساً عن سبل التغيير ومراحله. كان الجميع يدرك صعوبة المهمة في وجه منظومة راسخة، لكن الإيمان «بانتفاضة شعب بكل فئاته» تلهم القيادي في «الكتلة» وغيره من مطلقي 17 تشرين.
بعد أحداث السبت الماضي بات من الأهمية بمكان طرح السؤال حول مدى تأثر الحراكيين بالضربة التي وجهت الى قضيتهم، لكن عيسى يسهب في شرح الأمر: الانتفاضة والثورة ليسا شخصا معنويا أو تيارا معينا أو حزبا ما لهم قيادة ما، إنها حالة نفسية تشمل جميع الناس تجمعوا في وجه أحزاب السلطة ولا يمكن أن تنتهي.
هو يؤكد أن لب المشكلة سياسي كما الحل الذي يكمن في تغيير المنظومة الحاكمة، «وليس المطلوب من الثوار تقديم تصور الحل ورؤيته، إنها مهمة السلطة». وعيسى بذلك يتمسك بمطالب الانتفاضة كما بدأت وهو ينادي أولاً بحكومة مستقلة سيادية ذات صلاحيات موسعة، ما ليس بالطبع شأن الحكومة السلطوية الحالية.
وعلى الرغم من احتفاظ الكتلة بموقف معارض لأي سلاح خارج الشرعية اللبنانية عبر قواتها المسلحة الأمر الذي يراه يتناقضاً مع قيام الدولة الحديثة والعادلة التي يسعى إليها عيسى ورفاقه والتي من شأنها مقاومة الإرتدادات الخارجية والداخلية، إلا أن الأخير يلفت الى أن موضوع السلاح لا يحل سوى بالحوار الداخلي مع تفهم هواجس الجميع وهو الأمر الكفيل بتحصين البلاد من التدخلات الخارجية.
ويشير القيادي في «الكتلة» باشمئزاز لما حصل السبت من تحريف للمطالب والذي جاء بفعل «مندسين» في الثورة طالبوا بمسألة السلاح، في موازاة أحزاب السلطة التي طرحت في الايام الماضية قضايا ليست موجودة في الأصل مثل الفيدرالية ثم القرار الدولي رقم 1559، وبذلك أرادت قلب الأدوار عبر أداء دور الضحية لتصبح الثورة الجلاد وتفقد حيثيتها!
لكن الى أين من هنا بالنسبة الى الانتفاضة؟
يبدي عيسى ثقته بمتابعة المسيرة التي يشير الى إيجابيتها حتى الآن، وهو بدوره يتوقف عند نقطة الضعف المتمثلة في غياب التنسيق والإطار الجامع بالنسبة الى المنتفضين. لذا بات من بالغ الأهمية بالنسبة إليه تقديم الطرح السياسي الموحِد للمجموعات، وذلك في موازاة استمرار تحرك الناس في انتفاضتهم على الأرض من دون كلل في وجه سلطة لن تسلم بسهولة.