IMLebanon

«سبت المختارة»: هدف خارج مرمى «المصالحة»

بعيداً من مجلس النواب، اكتمل النصاب السياسي في المختارة يوم السبت الماضي، حتى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، كان حاضراً من خلال ممثله الشخصي النائب علي فياض.

ها هو وليد جنبلاط، يُعيد بالأمس إحياء مشهدية مصالحة الجبل، ليرفع من رصيد مبادراته الإيجابية تجاه المسيحيين. عملياً أراد من مناسبة تدشين كنيسة سيدة الدر العجائبية في المختارة، بعد إعادة ترميمها، أن تكون مناسبة للقاء جامع. لهذه الغاية، وجّهت دعوات الى كل القوى والأحزاب السياسية والمرجعيات الدينية والقيادات الأمنية والعسكرية وبعض رؤساء البلديات والمخاتير في الجبل. مع ذلك، بدا حضور «الثنائي الماروني» خجولاً، على عكس ما افترضه البعض بأنهما قد يقتنصان المناسبة لردّ الجميل لجنبلاط وملاقاته إلى منتصف طريق تأييده لوصول «الجنرال» إلى بعبدا، على اعتبار أن مشاركة النائب ناجي غاريوس بالقداس بديهية لكونه على صلة قرابة برئيس بلدية المختارة.

طبعاً، الجواب هو الاعتبارات الأمنية التي قد تحول دون مشاركة ميشال عون وسمير جعجع شخصياً، مع أنه يتردّد أنّ الأول كان يخطط ليكون في المختارة يوم السبت للمشاركة في هذا الحدث، إلا أنه يبدو أنه عاد وتخلّى عن هذه الفكرة.

لا ينفي ذلك حقيقة أن وليد جنبلاط يُكثر في هذه المرحلة من مبادراته تجاه القوى المسيحية. تراه يُحني رأسه أمام عاصفة «تفاهم معراب»، فينزل قبعته احتراماً لإرادة «الجنرال» و «الحكيم»: إذا كان الخلاص بوصول ميشال عون الى القصر الرئاسي، فلتكن مشيئتكم يا موارنة لبنان.

ينأى جنبلاط بنفسه عن صراع الموارنة. أصل ترشيح «الوسطي المسيحي» هنري حلو يصبّ في هذا الاتجاه حصراً..

ووليد جنبلاط بارع كعادته في «تظهير» الصورة الجامعة عندما يشاء ذلك. أراده «مشهداً وطنياً» عبّر عنه قرع أجراس الكنائس في الجبل كله. قبل ذلك بأيام قليلة، كان يريد لتدشين الكنيسة في المختارة أن يكون «مجرد لقاء عائلي خاص». ماذا تغيّر حتى انتقل الرجل من هنا الى هناك؟

يبين رصد المشهد أن الصورة كانت ناقصة. ملف المناسبة شائك بحد ذاته: مصالحة الجبل. الجرح الذي نزف وبدأت أولى المحاولات الجدية لتضميده في اللقاء الذي جمع رئيس «الكتائب» الراحل جورج سعادة ووليد جنبلاط في العام 1998 في «الصيفي». بعد ذلك، نام الملف إلى أن أعيد إنعاشه بالزيارة التاريخية للبطريرك نصرالله صفير في 3 آب 2001 الى الجبل. انطلقت المصالحة الفوقية لكن العودة الحقيقية الكاملة للناس لم تتحقق بعد.

هو سر علاقة بين «تحالف الخائفين». أي لقاء ماروني درزي، يكفل تقريب المسافات بين المكوّنين الأساسيين للكيان، ولكنه ليس نهاية المطاف. فالجبل لا يزال فارغاً. صحيح أن عدداً كبيراً من البيوت بُني أو رمّم، ولكن الإنماء غير موجود، وكذلك فرص العمل المفقودة، ناهيك بالقروض الزراعية الغائبة، والأهم الثقة التي يصعب ترميمها.

في أحاديث الناس، شيء من الخوف المكبوت. عامل الثقة بين الثنائي الماروني ـ الدرزي. الخوف من التمدّد السني من إقليم الخروب. الخوف من الرأسمال الشيعي الذي تبدّت ملامحه بتزايد ظاهرة بيع الأراضي في أكثر من منطقة من الجبل..

كل هذه الهواجس لا تحضر بطبيعة الحال في «سبت المختارة». الأسئلة تطرح نفسها: أي أثر إيجابي لحضور ميشال سليمان او فارس سعيد على موارنة الجبل؟ ماذا يعني هذا «التسليم والتسلّم الإقطاعي» لكنيسة سيدة الدر العجائبية بين عائلتي جنبلاط والخازن؟ ما علاقة هذه الهدايا التي تلقاها الأحفاد بالوراثة مع سباق المصالحة؟ لماذا قرر العماد ميشال عون حضور احتفال كنيسة سيدة الدر ثم قرّر إيفاد مَن يمثله من أهل المختارة؟ لماذا يتعاطى الموارنة، خصوصاً «التيار الحر» و «القوات» بحذر ولا مبالاة مع «المبادرات الجنبلاطية الجبل لبنانية»، وهل يحتاج ملف المصالحة إلى ترميم كنيسة لآل الخازن أم الى طمأنة مسيحيي الجبل وبناء عقد اجتماعي جديد معهم؟

خلال يوم المختارة الطويل، استوحى «البيك»، في كلمته، من اسم الكنيسة المرمّمة «سيدة الدر»، بعض تمنياته فقال: «نتمنّى أن تدرّ علينا الأيام المقبلة رئيساً للجمهورية كي نحفظ جميعاً لبنان من الرياح العاتية وحلولاً لمشاكلنا المعقدة فتستعيد المؤسسات المعطلة دورها المنتظر وتعود عجلة الدولة إلى الدوران بانتظام». واذ لفت إلى ضرورة السير في إرساء مناخ المصالحة بين جميع اللبنانيين، أكد التمسك «بثوابت المصالحة والوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعيش المشترك والحوار».

أما البطريرك الراعي، فأمل في كلمته، بحصول المصالحة المنتظرة بين فريقي 8 و14 آذار والوسطيين، متسائلاً: «ما الجدوى من طرح جميع المواضيع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهو وحده الكفيل بقيادة طرحها والنظر فيها كلها، عبر برلمان هو المكان المخوّل طبيعياً وبسلطة للتشاور والتداول والتصويت واتخاذ القرار. وبأي حق يعطل انتخاب الرئيس لهذا أو ذاك من الاعتبارات». وخلص الى التشديد على أن «مبادرة انتخاب رئيس للجمهورية تحتاج إلى رجالات دولة كبار من هذا وذاك من الفرقاء، يدركون أن الحل يأتي من الداخل».