IMLebanon

تحديات أمام عودة المساعدات السعودية

 

تنفَّس اللبنانيون الصعداء مع ظهور بوادر الإنفراجات الأولى من الرياض، بعد فترة طويلة من التوتر وحبس الأنفاس والإرباك، بسبب تداعيات الأزمة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

 

الساعات التي سبقت الإتصال الهاتفي الذي تلقاه الرئيس نجيب ميقاتي من الرئيس الفرنسي ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كانت حرجة، على إيقاع الأعصاب المشدودة بإنتظار نتائج المسعى الأخير لفكفكة عقد الأزمة مع الرياض، والتي لا طاقة للبنان على تحمل نتائجها طويلاً، في حال فشلت مساعي سيد الأليزيه في العاصمة السعودية.

 

إتصال ولي العهد السعودي مع رئيس الحكومة اللبنانية كان له مفعول السحر، الذي قلب المزاج اللبناني من حالة الإحباط والضياع، إلى أجواء من الفرح والأمل التي تعاود الغريق عادة، عندما تلوح له وسائل الإنقاذ، ولو من بعيد.

 

لقد أدرك اللبنانيون، من تجاربهم السابقة أن لا إنقاذ ولا من يُنقذون، ولا دعم حقيقي ولا من يدعمون، إذا لم تكن الشقيقة الكبرى، وما تمثله من مرجعية خليجية، في مقدمة الدول الداعمة، والتي تفتح بمبادراتها الأخوية والسخية أبواب المساعدات من الأشقاء والمساعدات على السواء. هذا ما حصل في مؤتمرات باريس المتتالية، وفي مختلف الإجتماعات الدولية المخصصة لدعم الجيش اللبناني، والذي تكرس في عمليات إعمار ما دمرته حرب تموز ٢٠٠٦، حيث أدت المساعدات السعودية إلى تغطية نفقات إعادة إعمار أو ترميم ٢٣٦ قرية جنوبية، وبعض أحياء الضاحية.

 

مبادرة الأمير محمد بن سلمان في التعهد مع الرئيس ماكرون على مساعدة لبنان للخروج من أزمته المستفحلة، دحضت كل المزاعم التي حاول البعض ترويجها بأن المملكة أدارت ظهرها للبنان، ولم تعد العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين تعني لها شيئاً، وهي الراعية الأولى لإتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية المديدة، وأعاد الأمن والسلام إلى وطن الأرز، مع كمٍّ من المساعدات المالية والإستثمارات التي ساهمت في تسريع عمليات إعادة الإعمار، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، من طرقات وأوتوسترادات ومستشفيات ومجمعات تربوية، والعديد من المشاريع التنموية.

 

لم تطلب القيادة السعودية جزاءً ولا شكوراً مقابل كل الدعم والمساعدات التي قدمتها للشقيق المُتعب، ولكن الصدمة كانت كبيرة عند السعوديين، كما عند اللبنانيين، حين تخاذلت الدولة اللبنانية عن الوقوف إلى جانب المملكة عندما تعرضت مرافقها الحيوية، من مطار الرياض إلى منشآت مصفاة الأرامكو في الدمام وغيرها إلى القصف الصاروخي من الحوثيين، والهجمات بالمسيّرات المفخخة على الأحياء المدنية، ولم يصوِّت لبنان يومها إلى جانب المجموعة العربية، وكأنه يُعلن عن خروجه من الصف العربي.

 

وبالفعل تحوّل لبنان إلى منصة للتهجم على السعودية والدول الخليجية، عبر  خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وغيره من المسؤولين الحزبيين، فضلاً عن مشاركة عناصر من الحزب في الحرب اليمنية وتدريب الحوثيين على تقنيات الصواريخ والأسلحة المعقدة الأخرى.

 

إستقالة الوزير قرداحي لا تكفي لتطبيع العلاقات اللبنانية ــــ السعودية، وإعادة الحرارة المفقودة إليها، لأن المطلوب هو إمساك الدولة بناصية المواقف التي من شأنها أن تعزز العلاقة الأخوية، وتسد منافذ الإساءات المتكررة التي توتر الأجواء بين البلدين، وتتسبب بحصول إهتزازات لا قبل للبنان بوضعه المنهار حالياً على الأخص، على تحمل تبعاتها. وهذا يتطلب إلتزامًا من الأطراف السياسية اللبنانية، وفي مقدمتها حزب الله، على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، إفساحاً في المجال أمام مساعدات الإنقاذ السعودية والخليجية الأخرى، للقيام بدورها المنتظر في إخراج البلد من دوامة الإنهيارات المستمرة منذ سنتين.

 

لا شك أن المساعدات السعودية والخليجية لن تصل بين ليلة وضحاها، وقبل التأكد من جدية الحكومة اللبنانية في إطلاق ورشة الإصلاحات المطلوبة، وإستئصال بؤر الفساد في الكهرباء والمالية والإدارة، وإنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 

أما ما ورد في البيان الفرنسي السعودي المشترك حول ضرورة إلتزام لبنان بتنفيذ القرارات الدولية من ١٥٥٩ إلى ١٧٠١، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، كما نص عليه إعلان بعبدا، فتُشكل تحديات أخرى لمساعي عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية بين بيروت والرياض، خاصة وأن القرار السعودي الحاسم هو عدم تقديم أية مساعدة يستفيد منها حزب الله في موقعه الحالي المهيمن على القرار في الدولة اللبنانية.

 

الأمير محمد بن سلمان أبلغ الرئيس ميقاتي بفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. فهل لبنان قادر على القيام بإلتزاماته لإلتقاط هذه الفرصة، وإستعادة ثقة الأشقاء بسياسة الدولة اللبنانية؟