IMLebanon

التطاول المحظور على السفير السعودي

 

 

 

إن الاساءة الى سفراء الدول العربية وتناول مواقفهم الوطنية ووجهات نظرهم السياسية، بحملات الإهانة والتحريض والتخوين، على صورة ما جرى للسفير السعودي وليد البخاري، يشكل تطاولاً مرفوضاً على كرامة السعوديين واللبنانيين على حد سواء، ولغة غير مقبولة تحت أي ظرف لأصول التخاطب السياسي. لا سيما أنّ كل ما أعلنه السفير من مواقف في الفترة الأخيرة، يعكس رأي الأكثرية اللبنانية، ولا يستدعي لأي سبب من الأسباب، ردّات فعل لا تستقيم مع مصلحة لبنان وتسيء الى علاقات لبنان مع أشقائه العرب.

 

ولماذا التهجم على حركة السفير السعودي التي جاءت قبل أسبوعين إبّان محاولته توحيد الموقف السني وتفادي الشرذمة الحاصلة، دون أن يتدخل بمسألة تسمية رئيس الحكومة؟ ألأنّ السفير يريد أن يعيد الألق إلى الطائفة السنية، كما كان حاصلاً إبّان فترة رئاسة الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، الأمر غير المسموح به في لبنان؟ وألم يكن الأجدر بـ»الحزب»، أن يقوم بتسليم المتهمين من عناصره بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدولية، ويساعد الحكومة اللبنانية العاجزة حتى عن استدعائهم؟

 

وهل السفير السعودي هو الذي يتدخل بالسياسة اللبنانية، أم أنّ «الحزب» هو الذي أقحم نفسه في الوضع الداخلي للمملكة العربية السعودية، الأمر الذي أكّده التقرير الذي نشرته سابقاً مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، والتي لفتت فيه إلى دور واسع النطاق لـ»الحزب» في اليمن، مشيرة إلى أنه في 5 أيار 2015، بدأ الحوثيون وحلفاؤهم بقصف أهداف على الحدود السعودية تحت إشراف «حزب الله» اللبناني، حيث كانت بداية باستخدام قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا، لكنهم زادوا تدريجياً مستوى هجماتهم باستخدام صواريخ وقذائف ذات شحنات متفجرة أكثر وزناً وأطول مدى. وبالنسبة للمتحدثين عن التدخلات، ألا يشكّل «الحزب» بحد ذاته رصيداً استراتيجياً بالنسبة لإيران حيث يعد ركيزة رئيسية في توسيع نفوذ طهران الإقليمي على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط. ولهذا السبب، يعكّر على العلاقات اللبنانية السعودية بما يتناسب مع مصالح طهران؟

 

وهل المطلوب عزل لبنان عن محيطه العربي، وإفلاسه مالياً؟ أفبهذه الطرق الرخيصة، يردّ الجميل إلى المملكة، التي ساعدت على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرّت سحابة 15 سنة من خلال رعايتها لاتفاق الطائف، ومن ثمّ تحوّلت إلى شريان حياة اقتصادي للبنان، حيث كانت الأولى في ترتيب الدول التي شاركت وساعدت الدولة اللبنانية في ورشة إعادة الإعمار منذ بدايات التسعينات، والأولى في مؤتمرات باريس السابقة، ومن بين أكبر المساهمين في مساعدات مؤتمر «سيدر». ناهيك عن أنّ السعودية استحدثت أخيراً بالتعاون مع فرنسا الصندوق السعودي-الفرنسي لدعم الشعب اللبناني، وتقدّم المنح للجيش اللبناني وستعيد السياحة السعودية إلى لبنان.

 

برأينا أنّ الحملات السافرة والمستمرة على السفير البخاري تندرج ضمن المخطّط الإيراني الذي يقوم على الإيقاع بين السعودية ولبنان، ويزعجه الانفتاح الأميركي على السعودية وعودة العلاقات السعودية الطبيعية مع تركيا وقيام المصالحة المصرية القطرية، ويزعجه أيضاً أخذ لبنان حصة في البيانات المشتركة الصادرة في ختام زيارات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي شدّد على أهمية أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه، وضرورة إجراء الإصلاحات فيه، وألا يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضناً للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات؛ كما يزعجه أنّ الدول التي ستشارك بالقمة الخليجية-العربية المرتقبة التي ستعقد في السعودية بحضور الرئيس الأميركي ستشكل محور المواجهة لطهران، التي تعاني من عزلة دولية نتيجة برنامجها النووي وتطوير صواريخها الباليستية.

 

كما أنّ هذه الحملات الشعواء تذكرنا بحملات التحريض والتخوين التي وجّهت سابقاً إلى البطريرك الراعي عندما حاول حصر قرار الحرب والسلم بيد الحكومة، والحملات على الرئيس ميشال سليمان عندما أراد أن يناقش الاستراتيجية الدفاعية، وكأنه ممنوع في لبنان أن يناقش أي شيء خارج أدبيات جماعة «الحزب»، في جو تسوده الديمقراطية بامتياز، ما شاء الله. ان اللبنانيين الشرفاء، من مسلمين ومسيحيين، الذين يقاومون بالصدور العارية واللحم الحيّ، أعتى قوّة مسلّحة في المنطقة، يتطلّعون بكلّ صدق إلى استمرار العلاقات الجيّدة بين لبنان والسعودية، وإلى دور سفيرها المثقف والراقي الداعم للمواجهة الشجاعة التي يقومون بها. كما يتطلعون إلى أن تكون السعودية، كما عهدها المخضرمون منهم، السند الذي يتطلّعون إليه لمتابعة مقاومتهم. وختاماً، فإننا نستنكر الإساءة لمعالي السفير وليد البخاري وندينها بشدّة، معربين عن تضامننا الكامل مع السفير والمملكة قيادة وشعباً.