حكومة الرئيس حسان دياب في وضع لا تُحسد عليه، محلياً وعربياً ودولياً.
الإنطلاقة ما زالت بطيئة الحركة والنتائج، الإجتماعات على قدم وساق مستمرة معظم ساعات النهار، دون التوصل إلى إتخاذ القرارات اللازمة، أو تحديد الإجراءات الضرورية، لرسم توجهات الخروج من دوامة الأزمات، تمهيداً لوضع خارطة طريق لوقف الإنحدار الحالي.
بعثة صندوق النقد الدولي جاءت إلى بيروت، وعقدت عدة إجتماعات مع الوزراء والمسؤولين المعنيين بالأزمة النقدية، وسط تكتم شديد عن نتائج المناقشات والأبحاث التي دارت في الإجتماعات.
العد العكسي لإستحقاق اليوروبوند تدق أجراسه في أسواق المال العالمية، ويتسبب في تخفيض مستوى لبنان الإئتماني درجة جديدة، ولا قرار لدى الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي لتحديد إسلوب التعامل مع هذا الإستحقاق المفصلي: بالدفع أو بتأجيل الدفع.
العلاقة بين المصارف والمودعين تزداد توتراً وتعقيداً، وقيمة الليرة إلى إنخفاض مستمر، وخوف اللبنانيين على جنى أعمارهم ومدخراتهم يتضاعف يوماً بعد يوم، والحكومة والمراجع المالية تلوذ بالصمت المريب، تاركة لجمعية المصارف أن تُدير الأزمة على حساب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين. فوضى أسعار المواد الغذائية تزاحم اللبنانيين في لقمة عيشهم، وسلطات الرقابة تمارس مهماتها بخجل، ومن باب رفع العتب، دون إتخاذ أي تدبير رادع بحق التجارالجشعين.
أما البلاء الأعظم فظهر في التضارب الحاصل بين أطراف السلطة حول السبل الواجب إتباعها لمعالجة الأزمة المالية الخانقة، بين من يؤيد اللجوء إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومعارض لهذا التوجه، دون أن يملك بديلاً فاعلاً ومُقنعاً عن المؤسسات المالية الدولية.
هذا على المستوى اللبناني الداخلي..، فماذا على الصعيد العربي والدولي؟
لا تبدو الحكومة أكثر إرتياحاً في المحيط العربي والدولي، من الوضع الداخلي المتأزم. نظراً لحالات التحفظ التي قوبلت بها عربياً، من جهة، وواقع الإنتظار الدولي لورشة الإصلاحات الموعودة ، من جهة أخرى.
عربياً ، يمكن القول أن الأجواء الملبدة بكثير من الغيوم هي التي تتحكم بمسار العلاقات اللبنانية العربية ، على خلفية إعتبار الحكومة الحالية ، حكومة اللون الواحد، والذي يهيمن على توجهاتها حزب الله، الطرف الأكثر نشاطاً في المحور الإيراني، وإمتداداته في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وبالتالي فإن هامش التعامل العربي مع هذه الحكومة يكاد يكون معدوماً. وإذا أخذنا العلاقة مع المملكة العربية السعودية مقياساً للعلاقات العربية عامة، والخليجية خاصة، يتبين لنا بوضوح حجم الهوة التي تفصل لبنان حالياً عن أشقائه العرب. فالمملكة التي وقفت دائماً إلى جانب لبنان في أزماته إفتقدت الصوت اللبناني في جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي، عند التصويت على إدانة الإعتداءات الحوثية الإيرانية على أراضيها. وقيادات المملكة التي كانت السبّاقة في مد يد العون والمساعدة للبنان بعد كل إعتداء إسرائيلي، أصبحت موضع تهجم دائم في خطابات حزب الله وأطراف المحور الإيراني في لبنان. والسعودية التي تتعرض أراضيها لقصف صاروخي حوثي متكرر ، تسارع دول العالم إلى إدانته وإستنكار عدوانيته، بقي لبنان على تجاهله لهذه الاعتداءات السافرة، كمن يحاول أن يطمر رأسه في الرمل ، حتى لا يتخذ الموقف الذي تمليه عليه علاقات الأخوة مع المملكة، ومبادلتها الوفاء لوقفاتها المشهودة مع لبنان، لا سيما في مجلس الأمن والمحافل الدولية الأخرى، لوقف الإعتداءات الإسرائيلية على أراضيه. السفير السعودي وليد البخاري غاب عن الإحتفال الديبلوماسي السنوي في قصر بعبدا الشهر الماضي، وهو لم يقم بزيارة رئيس الحكومة حسان دياب للتهنئة بالثقة النيابية، وليس في برنامجه حتى الآن أي لقاء في السراي. ولا القيام بزيارات بروتوكولية للوزراء الجدد.
هذه الوقائع، وغيرها كثير، تجعل من الصعوبة بمكان التكهن بإمكانية حصول زيارة قريبة لرئيس الحكومة إلى الرياض، التي تجاهلت تشكيل الحكومة الجديدة والتي يبدو أنها غير راغبة في إستقبال رئيسها، ولا تُبدي حماسة في المساعدة لتجاوز الأزمة المالية الحالية في لبنان، ولن تُغير في مستوى استثماراتها التي تراجعت من ١١ بالمئة عام ٢٠١٠، إلى ٢.٣ بالمئة في العام الفائت .
ويمكن القول أن الموقف السعودي الواضح والحاسم يتوافق مع مواقف عواصم القرار الخليجية والعربية، وفي مقدمتها القاهرة التي أحجمت عن التهنئة بتشكيل الحكومة أيضاً.
أكثر من ذلك،
في حال إستمرار تأخر الحكومة اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات التي تعهد بها لبنان في مؤتمر سيدر، فإن المملكة العربية السعودية ومعها تسع دول خليجية وأوروبية ستراجع إلتزاماتها في المؤتمر المذكور، وتُعيد النظر في المبالغ المخصصة لتقديم الدعم والمساندة للمشاريع الإنمائية التي تم الموافقة عليها في المؤتمر، وإعتبار الدولة اللبنانية غير قادرة على تنفيذ ما إلتزمت به من إصلاحات بنيوية مالية وإدارية، توقف الهدر وتكافح الفساد.
******
إرتباك وضياع في الداخل، ومقاطعة عربية وتربص دولي في الخارج، فأين المفر من دوامة الأزمات المتفاقمة؟