IMLebanon

«طريق الحرير» بين السعودية ولبنان

 

«طريق الحرير»، تسميةٌ يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد، بعدما اكتشف الصينيّون صناعة الحرير وراحتْ تشقّ طريقها إلى أقطار العالم ومنها إلى الخليج العربي وبلاد فارس، فكانت ممـرّاً تجارياً وثقافياً وسياسياً، مثلما كانت معبراً لتجارة البارود.

 

وطريق الحرير الخليجية التي مهّدها الرئيس رفيق الحريري فتـى السعودية الأغـرّ، بين الأسرة السعودية الحاكمة والأسرة الحريرية الحكومية زُرعتْ فيها الألغام، ولم تفلح الكاسحات العربية والفرنسية في فـكِّ رموزها الناسفة.

 

ليس من شأننا أنْ نتقصّى الأسباب الحقيقية لهذه القطيعة الغامضة بقدر ما تعنينا نتائجها فنسأل:

 

أولاً: هل يمكن أن تتخلّى السعودية عن حضورها الراجح على الساحة اللبنانية التي شكّل الممـرّ العربي الوحيد إلى التلاقي الحضاري والمذهبي…؟

 

ثانياً: هل يمكن أن تتخلّى السعودية عن أهـل السنّـة في لبنان، وبينهما تاريخ عريق مثَّلتِ السعودية فيه إرساليةً عربية في رعاية الطائفة السنيّة «ومقاصدها» ومساجدها إلى جانب الإرساليتين: اليسوعية والأميركية…؟

 

ثالثاً ورابعاً وخامساً: هل تقبل السعودية – وهل من مصلحتها – بأنّ تتقلّص زعامة الطائفة السنيّـة في لبنان، بحيث تتعرّض للتفّكك والتنازع «والداعشّيات»، فتفقـد كيانها التاريخي في معادلة التوازن الوطني، وتصبح الساحة اللبنانية مستباحةً لسيطرة الطوائف الأخرى…؟

 

من المسلّمات البديهية وحتى إشعارٍ آخـر:

 

-1 من الصعب أنْ يعـزّز الشيخ سعد الحريري زعامته في لبنان وبينه وبين السعودية خصامٌ وألغام…

 

2- من الصعب اليوم أن تجـد السعودية بديـلاً من الشيخ سعـد الحريري يعـزّز الزعامـة السنيّـة في لبنان والنفوذ السعودي فيه…

 

3- ومن الصعب أن تحـلّ دولة عربية أو سنيّة أخرى كبديل تاريخي محـل النفوذ السعودي في لبنان.

 

على أنّ للسعودية مكانةً مرموقـةً لـدى الطوائف اللبنانية الأخرى ولا سيما المسيحية منها، منذ أنْ كان الملك عبد العزيز سبّاقاً في دعـم الإستقلال اللبناني فكان من المبادرين الأوائل إلى تعيين «الشيخ عبد العزيز زيـد» قائماً سعودياً بالأعمال في لبنان (1).

 

ويـوم ارتدى البطريرك أنطون عريضه العباءة السعودية فـوق ثوبـهِ الأرجواني حين قدّمها إليه الرئيس بشارة الخوري وقد تلقاها هديّـة من الملك عبد العزيز آل سعود (2).

 

ومع هذا، لا يمكن أن تعبّـئ زعامةُ أيِّ طائفةٍ أخرى الفراغ السنّـي الزعامي في لبنان، والعبرةُ بالنهر الذي ينبـع من بلدة بشرّي ويُعرف بنهـر قاديشا، وما أن يصـبّ على الساحل في جـوار طرابلس حتى يصبح إسمه: نهر «أبو علي».

 

عندما يعلن الرئيس سعد الحريري «تعليق العمل بالحياة السياسية في السلطة والنيابـة والسياسة «بمعناها التقليدي».

 

فهل هو يراهن على عـدم حصول الإنتخابات؟ وإن هي حصلتْ فهل يبقى مستقبلُه السياسي، ومستقبل المستقبل: النيابي والسلطوي معلّقاً حتى الإستحقاق النيابي اللاّحق سنة 2026..؟

 

وعندما تتحـوّل السياسة إلى قداسة، فهل يتحوّل شباب «المستقبل» من حـزب سياسي إلى تيار روحاني «يقيمون الصلاةَ ويأتون الزَكاةَ ويركعون مع الراكعين»…؟

 

موقف الحريري يحتمل بعضاً من التأويل والتفسير، وإلاّ فما المغزى من تعليق الحياة السياسية «بمعناها التقليدي»؟

 

فإن لم يكـن قد هبـطَ وحـيٌ في الجزيرة العربية على الرئيس الحريري، وكان حقـاً ضحيةً سعوديـةً – إيرانية وقد تكسّرتِ النصالُ على النصال، فقد تكون النصالُ السعودية أحـقَّ بالوفاء عمـلاً بقول الشاعر:

فإنْ أكُ مقتولاً فكنْ أنتَ قاتلي فبعضُ منايا القومِ أكرمُ مِنْ بعضِ.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – تعيين القائم بالأعمال السعودي عبد العزيز زيد: 9 نيسان 1944.

2 – بشارة الخوري فارس الموارنة – الجزء الثاني – وليد عوض – ص: 67