احتفلت المملكة العربية السعودية بذكرى تأسيس المملكة في 22 شباط.
يوم التأسيس يوم اعتزاز بالجذور الراسخة للدولة والممتدة لأكثر من ثلاثة قرون.
وتمر هذه الذكرى الخالدة، ولبنان يعيش ضغوطاً وتأزماً في علاقاته مع الدول العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية… وإزاء هذا الوضع غير المنطقي وغير المقبول، أذكر دور المساعدات السعودية للبنان، ما عزّز استقراره السياسي والاقتصادي ومكّنه عسكرياً، ويكفي القول إنّ ما دفعته المملكة للبنان بعد حرب 2006 مع العدو الاسرائيلي بلغ 746 مليون دولار.
فمنذ سبعينات القرن الماضي عزّزت مبادرات المملكة العربية السعودية الخيّرة دعم لبنان ما انعكس إيجابياً على استقراره وسيادته وسلمه الأهلي وعيش أبنائه المشترك.. وفي كل المناسبات والأوقات التي احتاج فيها لبنان للمساعدة.
وأجدني أقف مضطراً لذكر بعض أوجه هذا الدعم الذي أثمر أمناً وطمأنينة واستقراراً في هذا الوطن:
أولاً: لا يستطيع أحد أن يخفي أنّ المملكة كانت السبّاقة والمبادرة والوقوف بشجاعة من أجل تلبية حاجات لبنان والشعب اللبناني بشكل سريع واستثنائي بهدف تمكينه من الصمود والتغلّب على مصاعب الزمان والأعداء. ولولا السعودية لما استطاع لبنان تجاوز المحن التي وقع فيها في مواجهة العدوان الاسرائيلي وإزالة آثاره عام 1982، وكذلك بالنسبة لعدوان 2006، وهي أيضاً كانت مبادرة في العمل الجاد من أجل تعزيز قدرة لبنان على مواجهة ا لإرهاب عام 2014.
ثانياً: لقد برزت أهمية المساعدات السعودية بعد الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان منذ العام 1978 وحتى العام 2006.
ثالثاً: أسهم الدعم السعودي للبنان في إيجاد نحو مائة ألف فرصة عمل لعدد كبير من اللبنانيين على مدى العقود الماضية في المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي شكّل مصدر دعم كبير للعائلات اللبنانية التي انتقلت للعمل والسكن في المملكة.
رابعاً: أذكّر بمؤتمر القمة في الرياض الذي استضافته المملكة العربية في 16 تشرين الأول عام 1976 لبحث الحرب الأهلية الدائرة في لبنان يومذاك، ومسألة إعادة الإعمار بمشاركة ست دول عربية هي المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين والكويت. كانت القمة برئاسة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، ومشاركة كل من الرئيس المصري أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس اللبناني الياس سركيس وسمو الشيخ صباح السالم الصباح أمير الكويت وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أسفرت القمة عن تهدئة الأوضاع في لبنان. وأكد المشاركون على أهمية الحفاظ على وحدة لبنان الوطنية وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية بأي شكل من الأشكال. ومطالبة كافة الأطراف اللبنانية، إجراء حوار سياسي، يسعى الى تحقيق المصالحة الوطنية، وتثبيت دعائم الوحدة بين أبناء الشعب اللبناني. كما قررت إرسال قوات أمن عربية لتتحوّل في ما بعد الى قوات ردع ثم الى قوات سورية في وقت لاحق.
خامساً: «اتفاق الطائف»:
إضافة الى الهبات المادية والمعيشية والعينية، ساهمت المملكة في إعادة سكّة الحياة الى لبنان عام 1989 عبر رعاية اتفاق الطائف الذي انتهت بموجبه الحرب اللبنانية والاقتتال الداخلي. وبعد التوصّل الى هذا الاتفاق اتبعت المملكة الاتفاق بمساعدات سياسية ووطنيّة، وعملت على إعادة إحياء مؤسّسات الدولة.
ورغم ان اتفاق الطائف، لم ينفّذ بكامله… لأنّ الحزب العظيم ظلّ متمسّكاً بسلاحه بحجة تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومنطقة الغجر، بعد إعلان التحرير عام 2000، ورغم ان مجلس الشيوخ لم يرَ النور حتى الآن… إلاّ أنّ هذا الاتفاق يبقى وباعتراف الجميع منطقة أمان، حفظت اللبنانيين، وحافظت على وحدة عيشهم واستقرارهم.
في المقابل… ماذا كان ردّ بعض مناصري محور الممانعة والحزب العظيم على ما قدمته «مملكة الخير» من هبات ومساعدات:
ألف: نظم الحزب العظيم مؤتمراً للمعارضين السعوديين في معقله في ضاحية بيروت الجنوبية ذكرى إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر. وقد دعا رئيس المجلس التنفيذي في الحزب العظيم هاشم صفي الدين في المناسبة المذكورة الى توقّف السعودية عن «التنمّر» وأن تكفّ أذاها ويدها عن لبنان (كذا).
باء: شكّلت الساحة اليمنية، وسيلة لتهجّم مسؤولي الحزب العظيم على المملكة العربية السعودية… ويزداد هذا التهجّم مع كل انتصار تحققه قوات التحالف في اليمن ضد الميليشيات الحوثية.
جيم: عقد مؤتمر لمعارضي الحكم في البحرين عنوة وفي الضاحية، جمع أشخاصاً تهجّموا على المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
كل هذا… والمسؤولون اللبنانيون في السلطة باتوا عاجزين عن كبح جماح الحزب العظيم، على الرغم من الطلب السعودي والخليجي الملحّ في منع تدخل «الحزب العظيم» بشؤون الدول العربية خدمة للحكم الفارسي في إيران.. هذا التصرّف انعكس سلباً على العلاقات اللبنانية الخليجية… ما أدّى الى سحب سفراء هذه الدول من لبنان احتجاجاً..
إنّ من المحزن والمعيب معاً أن تغيب احتفالات اليوم الوطني السعودي عن بيروت، التي طالما فتحت ذراعيها لاستقبال هذه المناسبة الوطنية العزيزة على قلوب اللبنانيين، الذين يشعرون بالامتنان لمملكة الخير، التي طالما وقفت دائماً الى جانب لبنان، كل لبنان دون التحيّز لطائفة أو منطقة…
أملنا كبير أن يعمد المسؤولون الى إزالة كل شائبة في العلاقات الأخوية.. فهل تعمد الدولة الى وضع هذا الملف في مقدّمة أولوياتها؟!!