Site icon IMLebanon

حنق “حزب الله” على السعودية

 

لا بأس بالنسبة إلى عضو المجلس المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن يكون «المسؤولون المعنيون عاجزين عن تأمين الخبز والدواء للبنانيين»، لكن على هؤلاء حسب قوله أن «يحفظوا ويدافعوا عن كرامات اللبنانيين من إساءات وتدخلات» من وصفه «سفير الفتنة»، السفير السعودي وليد البخاري.

 

يتسامح الشيخ قاووق مع عجز المسؤولين عن تأمين معيشة اللبنانيين، لكنه لا يحتمل منهم أن يمتنعوا عن معاداة سياسة المملكة العربية السعودية، كما يفعل حزبه، قافزاً فوق اقتناع أكثرية اللبنانيين بأن تلك المعاداة، التي يفرضها على اللبنانيين سواء من خلال مواقف قادته وحلفائه في السلطة السياسية والرئاسة، ضد السعودية ودول الخليج العربي هي أحد أسباب العزلة التي يغرق فيها لبنان، وأحد عوامل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها البلد منذ ثلاث سنوات والتي تشكل الكوارث المعيشية المتنقلة بعضاً من تجلياتها.

 

هناك أسباب أخرى تجعل الشيخ قاووق يتجاوز القاعدة القائلة «إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا»، مستخفاً بذاكرة اللبنانيين، عن أن حزبه يقحم نفسه في الوضع الداخلي في المملكة وفي اليمن ومتهم بأنه يساهم في قصف الحوثيين لأراضيها، وأن يقفز فوق حقيقة أن أحد قادة حزبه هو «الممثل الشرعي في لبنان» لمرشد الثورة في إيران السيد علي خامنئي (الشيخ محمد يزبك)، لأهداف سياسية وليس «شرعية» بالمعنى الديني والعقائدي، وأن قائد الحزب أعلن قبل سنوات أن أمواله وسلاحه ومأكله وملبسه بتمويل إيراني. وهناك أسباب أخرى لهجومه على البخاري، غير تلك المتعلقة بحركة السفير قبل أسبوعين، حين بذل مسعى لدى بعض نواب وقادة الطائفة السنية من أجل توحيد الموقف السني وتفادي الشرذمة، من دون أن يتدخل، كما جرى اتهامه، بمسألة تسمية رئيس الحكومة أو تشكيلها. وهذا ما أكده من التقوه.

 

ما أزعج الحزب في هجومه المتجدد على الرياض، أبعد من ذلك بكثير. ولعله من الطبيعي أن يقلق الحزب كممثل «شرعي» لطهران، من الحركة السعودية الإقليمية تمهيداً للقمّة الأميركية الخليجية العربية في السعودية والتي ستعقد أثناء زيارة جو بايدن في 15 و16 تموز المقبل. وفضلاً عن أن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لكل من مصر، الأردن وتركيا، تمهد لتمتين التعاون بين الدول السنية الثلاث يضاف إليها تعزيز المصالحة المصرية القطرية بزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني إلى القاهرة وهي تطورات غير مريحة لإيران، فإن البيانين المشتركين، الصادرين في كل من القاهرة وعمان تناولا لبنان والحزب. في القاهرة دعا البيان المشترك إلى «ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات» وحث إيران على الالتزام بالمبادئ الدولية بعدم التدخل في شؤون الدول العربية، وتجنيب المنطقة جميع الأنشطة المزعزعة للاستقرار». وفي الأردن دعا في فقرة لبنان إلى «ضرورة حصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، والتزام «حزب الله» عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ووقف كل الممارسات التي تهدد أمنها». ومع تشديدهما على دعم الإصلاحات، فإن ما جاء في البيانين ليس جديداً فإن حضور الدولتين القمة، زائد الحضور العراقي، يعدل في المشهد الإقليمي حيال الدور الإيراني في عدد من الساحات، لا بد من أن يتأثر به لبنان، الذي يمر باستحقاقات مفصلية، أهمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. اعتاد الحزب ومعه إيران، على ترف التحكم بأدق تفاصيل السياسة الداخلية عبر السيطرة على الرئاسة الأولى إلى أقصى الحدود في عهد الرئيس ميشال عون المنقضي. ووظف هذا التحكم لمصلحة مقتضيات مشاريع طهران الإقليمية، وحوّل لبنان إلى منصة في خدمتها، بعدما نجح في العام 2016 في ترئيس العماد ميشال عون، بموافقة أميركية. وبعدما مارس هذا الترف ست سنوات، وأعطى لصهر الرئيس جبران باسيل جوائز الترضية على حساب الشعب اللبناني بمن فيه جمهوره، صار صعباً عليه التخلي عن ذلك المكسب.

 

التحولات المرتقبة في المشهد الإقليمي، الناجمة عن الظروف الدولية المستجدة بعد حرب أوكرانيا والتي فرضت استعادة التقارب الأميركي السعودي تحمل في طياتها إمكانية استعادة بعض الدور العربي الذي افتُقد في السنوات الماضية. وإذا كان بعض خصوم الحزب يأملون بعهد رئاسي جديد ينهي حقبة الالتحاق الكامل للموقع الأول في السلطة بإيران و»حزب الله»، يصبح لازماً تصحيح الموقع الإقليمي للسلطة في لبنان. ومع أن الأمر قد يحتاج وقتاً، فالبداية تنطلق من اختيار الرئيس الجديد فلا يقتصر على التلاقي الأميركي الإيراني، وأن يصبح من مقتضيات التحولات المتوقعة، أن يقول العرب، والسعودية في الطليعة، كلمتهم به.