Site icon IMLebanon

هل عادت السعودية إلى لبنان؟

 

 

أثارت الدعوة الملكية التي تلقاها الرئيس نجيب ميقاتي للمشاركة في القمة العربية ــ الصينية التي ستعقد في الرياض، تكهنات متضاربة في الوسط السياسي حول تطور الموقف السعودي في التعاطي مع الدولة اللبنانية، وما تعنيه هذه الدعوة من خلفيات وأبعاد، خاصة بالنسبة للعودة السعودية إلى لبنان.

اللبنانيون القادمون من المملكة يعتبرون أن ثمة أسساً وقواعد تحكم العلاقات اللبنانية مع السعودية، منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وأن خروج لبنان عن هذه القواعد، وإنضمامه إلى المحور الإيراني المعادي للسعودية والدول الخليجية، وعدم الوقوف إلى جانب الرياض وإستنكار القصف الحوثي لمنشآت ومناطق مدنية في العاصمة السعودية، فضلاً على ما تعرضت له قيادة المملكة ورموزها الوطنية من تهجمات شخصية من حزب الله، كلها عوامل دفعت العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين إلى التأزم الذي بلغ حد القطيعة الديبلوماسية، ولو لفترة قصيرة، وهي سابقة لم تحصل في تاريخ العلاقات الممتازة بين البلدين.

ويرفض هؤلاء اللبنانيون المقولة التي يرددها البعض في بيروت من أن المملكة أدارت ظهرها للبنان، وإمتنعت عن مساعدته وهو في ذروة أزماته المالية والإجتماعية، وتركت حلفاءها التقليديين دون دعم أو مساندة.

ويُلقي أصحاب هذا الرأي المسؤولية على الطرف اللبناني، الذي إلى جانب المواقف السياسية السلبية المعروفة، نكث بكل وعوده في تنفيذ الإصلاحات الموعودة في مؤتمر سيدر، وقبل وقوع الكارثة المالية الحالية في البلد، فضلاً عن عدم القيام بأي خطوة جدّية للحد من إنتشار سرطان الفساد الإداري والسياسي، رغم كل التحذيرات الدولية والعربية من عواقب إستمرار هذا التفلت في المالية العامة. مما أفقد المساعدات السعودية السخية زخمها، وحال دون تحقيق الأهداف الإنمائية المنشودة منها.

النقاش الذي دار مع اللبنانيين القادمين من المملكة، والذين أخذوا على عاتقهم مهمة تنقية العلاقات الأخوية من الشوائب التي شوهتها في الفترة الأخيرة، يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

١ــ إضطرت المملكة لإتخاذ خطوات جذرية للدفاع عن سيادتها، وكرامة قيادتها، بعد سلسلة الهجمات السياسية والإعلامية التي تعرضت لها، والتي كان آخرها من وزير عمل مطولاً في مؤسسات إعلامية سعودية، و«لحم أكتافه» من المملكة، على حد قول المثل المعروف. فكان الرد الحاسم بسحب السفراء بين البلدين.

٢ــ تعرضت السعودية لحرب إجتماعية خطيرة، من نوع الحروب الناعمة، وذلك عبر عمليات تهريب المخدرات، وخاصة حبّات الكابتغون، بكميات ضخمة، وبمعدل شحنة على الأقل إسبوعياً، والتي كان يتم تهريبها في شحنات الخضار والفاكهة اللبنانية، دون مراعاة الحد الأدنى من مصالح المزارعين اللبنانيين، الذين عانوا الويلين، بعد القرار السعودي بوقف الإستيراد من لبنان حماية للشباب السعودي من آفة المخدرات.

٣ــ تميّزت القيادة السعودية، وكعادتها دائما، بكثير من الحكمة، عندما حرصت على عدم زج اللبنانيين المقيمين على أراضيها، وعددهم مع عائلاتهم يقارب الربع المليون، في الخلاف الطارئ مع السلطة المركزية في بيروت، التي فشلت في حماية مصالح لبنان الوطنية، بسبب عدم تمكنها من الحفاظ على الأواصر الودية للعلاقات التاريخية بين لبنان والمملكة.

٤ــ خلافاً للإشاعات المُغرضة حول إنحياز المملكة إلى فريق ومقاطعتها لفريق آخر، فقد قام السفير وليد بخاري فور عودته بعد القطيعة، بتنفيذ برنامج كامل من الإنفتاح على كل المكونات اللبنانية، السياسية والأمنية، الحزبية والشخصية، بإستثناء حزب الله، الذي تعتبره الرياض يخوض حرباً ضد أمنها القومي في اليمن. وكان شمول شخصيات وأحزاب من فريق ٨ آذار ، وحلفاء سابقين وحاليين للحزب، في هذه المروحة الواسعة من الإتصالات واللقاءات، والتي كان آخرها غداء الأمير طلال أرسلان في بيت السفير الأسبوع الماضي، رسالة واضحة على وقوف المملكة على مسافة واحدة من اللبنانيين، تجلت بأبهى معانيها في «منتدى الطائف» الذي أقيم في قاعة الأونيسكو، وكان الوزيران السابقان سليمان فرنجية وسليم جريصاتي وغيرهما في الصف الأول، إلى جانب شخصيات بارزة من الفريق السيادي، المعارض لهيمنة الحزب على البلد.

 

٥ــ إن إستمرار التواصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان حول الوضع اللبناني، وتشكيل صندوق مشترك لتقديم المساعدات للمؤسسات الإجتماعية مباشرة، يؤكد لمن يعنيهم الأمر، بقاء لبنان على قائمة الإهتمامات السعودية الإستراتيجية، ولكن ليس في مستوى الأولوية المعروفة سابقاً، بسبب تلكؤ المسؤولين اللبنانيين في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وفشلهم في إدارة أزماتهم المالية والإقتصادية، وإيقاع بلدهم في مهاوي الدولة الفاشلة، حيث لا رئيس للجمهورية ولا حكومة كاملة الصلاحيات تتولى السلطة الشرعية.

وعندما تسأل في نهاية النقاش: هل يعني كل ذلك أن السعودية عادت إلى لبنان؟

ينتفض أحد الحاضرين ويرد على الفور: السعودية لم تخرج من لبنان حتى تعود إليه. الدولة اللبنانية هي التي خرجت من الشراكة مع المملكة، في انحيازها للمحور الإقليمي الآخر، والتصويت ضد السعودية في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومحافل أخرى، إلى جانب التهاون بوقف الحملات السياسية، وعمليات التهريب المكثفة.

ويختُم: نحن نعلق أهمية كبيرة على العهد الجديد لإصلاح ما أفسده العهد المنصرم، وإعادة العلاقات مع المملكة إلى سابق تألقها ومتانتها في رعاية مصالح الشعبين الشقيقين.