IMLebanon

السعودية: لا مقايضة بين رئاستَي الجمهورية والحكومة

 

 

ليس للرياض أيّ مقاربة مستجدّة في الملف اللبناني. قبل مؤتمر باريس وبعده، ثمّة لاءات لا تزال على حالها في ملفّ رئاسة الجمهورية، لم يغيّر فيها شيئاً إعلان ترشيح الوزير سليمان فرنجية

منذ اللقاء الخماسي في باريس، ثمة رغبة في التعامل مع الموقف السعودي على أنه يحمل التباسات وتدوير زوايا، وبأن الرياض بدأت تتماهى مع مواقف فرنسية وتدخل في لعبة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية. هذه المقاربة للموقف السعودي، وفق معلومات مطّلعين، تحاول تحميل الرياض مواقف لم تتخذها لا قبل لقاء باريس الخماسي ولا بعده.

 

تبعاً لذلك، بحسب المعلومات، لم تبادر الدبلوماسية السعودية الى إبلاغ القيادات السياسية رفضها لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه كردّة فعل. في الشكل، زيارة السفير السعودي وليد البخاري لبكركي أعطت ملامح أولى عن مبادرة سريعة للردّ على إعلان قوى الثامن من آذار اسم مرشحها، وكأنه موقف سعودي مستجدّ. إلا أن المعلومات السعودية تتحدث في شكل مغاير. فالزيارة لم تكن للتبليغ عن موقف سبق أن أعلن أكثر من مرة، وهو يتناول في شكل مفصّل موقف الرياض من لبنان والانتخابات الرئاسية، ولم يستجدّ تبعاً لذلك أي تطوّر يفترض مقاربته في شكل مختلف. وما سئلت عنه الدبلوماسية السعودية في بيروت والرياض، حول التطورات الأخيرة، وجد الجواب نفسه عبر مجموعة مواقف عادت وتكررت خلال الساعات الأخيرة.

 

لا بدّ طبعاً من أن يكون السؤال الأول الذي وجّه في أعقاب إعلان الرئيس نبيه بري ترشيح فرنجية ودعم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هذا الترشيح: ما هو الموقف السعودي؟ وقد تضمّن الجواب مجموعة مواقف:

أولاً، السعودية لم تطرح أيّ اسم ولم تناقش الأسماء المطروحة لترفض أيّ اسم بالتحديد. لكنها أعطت مواصفات وحدّدت مبادئ وخطوطاً تفصيلية، ويفترض أن تكون الرسالة قد وصلت عبرها الى جميع المعنيين. فالرياض لا تؤيد وصول أيّ مرشح حليف لحزب الله الى سدّة الرئاسة، وهذا يشمل كلّ من قد يكون مرشحاً، بمن فيهم فرنجية أو غيره. وهذا الرفض ليس ابن ساعته، بل عمره أشهر طويلة، قبل الشغور الرئاسي وبعده، ولا يحمل أيّ مفاجأة، انسجاماً مع موقف الرياض من ملف لبنان ككل، ورؤيتها لسبل حل أزماته المتشابكة.

ثانياً، إذا انتخب لبنان مرشح حزب الله، فإن الرياض ستواصل سياستها الانكفائية ما يؤدي حكماً الى تكرار تجربة العلاقات التي شهدها لبنان مع السعودية خلال عهد الرئيس ميشال عون، أي إضافة سنوات ست جديدة من عمر الأزمة اللبنانية وأزمة العلاقات مع الرياض، مع ما يستتبع ذلك من تأثيرات اقتصادية ومالية. والكرة تصبح حينها في ملعب اللبنانيين الذين عليهم أن يختاروا أيّ عهد يريدون وأيّ علاقات يريدونها مع الرياض. واختيار الرئيس الجديد واحدة من الرسائل التي تؤشّر الى ما يريده لبنان منها، لكنه لا يختزل سلّة تفاهمات كاملة تتضمن تفاصيل العلاقة بين البلدين.

ثالثاً، لا مقايضة سعودية بين رئيس جمهورية من طرف ورئيس حكومة من طرف آخر. السلّة الواحدة من موقع المفاضلة بين انتماءين سياسيين غير مطروحة، والأكيد أن الرياض لم تطرحها. ما ينسحب على رئيس الجمهورية ينسحب على رئيس الحكومة، ولا مجال كي يكونا حليفَي حزب الله، ولا مجال لتسوية مع أحد الموقعين على حساب الآخر. ما يحكى عنه اليوم من طرح أسماء لرئاسة الحكومة لا يعني الرياض بقدر ما لا يعنيها طرح أسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية. وأيّ طرح لأسماء لموقع رئاسة الحكومة يفهم منه أنه مرضيٌّ عنها لتمرير مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية لا علاقة للرياض به.

هذا الموقف الذي يجمع تحت سقفه مجموعة لاءات، يطرح أمام حلفاء السعودية وخصومها على السواء تحدّي مقاربة الانتخابات الرئاسية. فالرسالة السعودية لم تبلغ اليوم فحسب، في ما يتعلق برفض أيّ مرشح يدعمه حزب الله. لكنه عملياً يضع حلفاء السعودية في موقف مريح لجهة الاطمئنان الى خوض المعركة ضد مرشح حزب الله، ويزيد الضغط على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في تحديد أشكال استمرار التوازن في العلاقة مع بري وحزب الله، مقابل تماهي رافضي فرنجية من حلقة جنبلاط مع الموقف السعودي. كما يضع النواب السنّة أمام خيارين لا ثالث لهما: مع مرشح الثنائي أو ضده.

أما باريس التي تريد من السعودية الصندوق المالي قبل السياسي، فهي أيضاً باتت على علم منذ اللقاء الخماسي بأن سياستها في محاولة استقطاب السعودية الى ملعبها لم تكن موفقة، وانضمام السعودية الى اللقاء كان من باب رفع العتب. لن تكون الرياض مجرّد صندوق دعم مالي، والإحاطة الفرنسية بالانتخابات الرئاسية والترويج لترتيبات مع الرياض في ما يخصّ لبنان وانتخابات الرئاسة، لم تنجح في استمالة المملكة. أما وقد كشف الثنائي عن مرشحه، فقد باتت باريس أمام معادلة جديدة، لا تريد الرياض الدخول فيها من باب أيّ تسوية مطروحة.