IMLebanon

الرياض ملتزمة بيان نيويورك: لا تأثير للحوار مع سوريا على لبنان

 

 

لا يزال بيان نيويورك يشكل الحد الفاصل في السياسة السعودية تجاه لبنان. عدا ذلك، لا يمكن الكلام – وفق الرياض – عن تأثيرات فتح أقنية الحوار مع سوريا ضمن سياسة «صفر مشاكل»، ومن المبكر الكلام عن نهائيات لها

 

قبل محاولة استخلاص ما يجري بين الدول العربية وسوريا، لا سيما من جانب السعودية، تختصر مصادر مطلعة على مجريات الوضع الداخلي السعودي أنه يفترض، بداية، التعامل مع السعودية اليوم على أنها غير تلك التي خرجت من لبنان وسوريا والمنطقة على وقع أزمات متفجرة. السعودية «القديمة» لم تعد قائمة، بكل مفاعيلها الداخلية والخارجية التي تعني لبنان والمنطقة، وحكماً المفاعيل المالية كصندوق مساعدات لا ينضب. لذا، من الصعب قراءة المواقف اللبنانية تجاه ما يحصل على خط الرياض – دمشق، في اتجاهين متناقضين تماماً، بين حلفاء الرياض والدائرين في فلكها الذين يرون في ما يحصل استسلاماً سورياً وإيرانياً للرياض، وبين حلفاء إيران وسوريا الذين يرون أن الرياض تقدم تنازلات لدمشق وطهران. ما يحصل كبير إلى حد ينبغي معه التأني جيداً في قراءته، قبل الوصول إلى استنتاجات مبكرة وسريعة، بحسب المصادر، واستكشاف نجاحات أو إخفاقات تكون من نتائج الحدث الإقليمي بكافة مستوياته.

 

تبعاً لذلك، لا يفترض وضع الاتفاق السعودي – الإيراني كأنه حدث منفرد وأول في مسار العلاقة التي شهدت، في مراحل متفاوتة، محاولات واتصالات في عهدي الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، كما لا تزال حية صورة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ممسكاً بيد الرئيس محمود أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون الخليجي. يضاف إلى ذلك أن تغيّر القيادة في السعودية يقترن بمحاولتها الأخيرة لرسم سياسة خارجية باتت واضحة المعالم، وقائمة على «صفر مشاكل». ما جرى أخيراً مع إيران ليس معزولاً، بل استكمال للقاءات جرت بين البلدين منذ مدة غير قصيرة، قبل التوصل إلى ما خرج علانية. وبما أن الطرفين يدركان تماماً حدود الاتفاق وصلاحيته، فإن السعودية – مثلاً – استوعبت الرسالة من فلسطين إلى لبنان بإعادة تحريك القضية الفلسطينية. إلا أن ما يعنيها اليوم، أولاً بأول، هو ما يمكن تطبيقه في اليمن، وهذا يسير بخطى واثقة ويفترض البناء عليه في تلك الساحة المشتركة. أما العراق فقد بدا بعد وصول محمد شياع السوداني إلى رئاسة الوزراء، وكأنه يسير في منتصف الطريق بين البلدين.

 

في لبنان وسوريا، الأمر مختلف تماماً نظراً إلى تداخل عوامل دولية وإقليمية فيهما. ففي حين سارعت بعض القوى من معارضة وموالاة إلى استثمار الاتفاق مع إيران لمصلحة التسوية الرئاسية في لبنان، بدت الجهود العربية في شأن سوريا وكأنها تضاعف من الأوراق التي يحاول حلفاء الطرفين استغلالها في تعزيز نجاح محور على حساب آخر، وفرض تداعياته على بيروت. وهذا ليس واقع الحال سعودياً.

 

 

 

فاستعجال رسم خريطة سعودية في سوريا أمر، بحسب المصادر، يفترض التعامل معه بحذر، أولاً لأن تصوير عودة سوريا إلى الجامعة العربية وكأنها نهاية مرحلة وبدء مرحلة جديدة مبالغ في تقدير حيثياته، لا سيما أن ما يواجه دمشق داخلياً ودولياً أكبر من قرار العودة إلى الجامعة. ما يجري لا يزال محاولات سياسية عربية، لكن أدوات الحل العملانية غير متوافرة. إذ كيف تستطيع السعودية أو الدول العربية وهي التي لم تتفق في الاجتماع التشاوري لوزراء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق على تصور نهائي واضح حيال سوريا، تخطي القرارات الدولية وفي مقدمها القرار 2254. وحتى لو أراد العرب تخطيه، أين موقف الولايات المتحدة والأمم المتحدة من ذلك؟ ثانياً كيف يمكن تخطي العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا التي باتت محكومة بأطراف إقليميين ودوليين موجودين في عدد من مناطقها. ومن المبكر الكلام عن أن السعودية مستعجلة إلى حد القيام بحملة دولية لفكفكة كل العقد أمام الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا ما يتطلب، سعودياً وعربياً، دفع ثمن باهظ للعمل لمصلحة هذا التحول من جانب أوروبا والولايات المتحدة تجاه سوريا. ومن المنطقي التعامل بحذر حيال رد فعل واشنطن على ما يجري فيما لا تزال أوروبا والولايات المتحدة في خضم صراع حول أوكرانيا مع روسيا التي تدعم سوريا. ناهيك عن نهائية موقف إيران من أي خطوات سورية ستطلب من دمشق في ملف النازحين والعملية السياسية برمتها.

 

والاستعجال في قراءة موقف الرياض سورياً، يفترض كذلك عدم الذهاب بعيداً في تفسير أي تداعيات سعودية للحوار مع سوريا على لبنان. فإذا كانت القاعدة بعد الاتفاق مع إيران الذي لا يزال قيد الاختبار، فصل الساحات الإقليمية عن بعضها، من غير الجائز التعامل مع مستجدات الاتصال بدمشق على أنه مقدمة لمتغير في لبنان يصب في مصلحة سوريا وإيران. ففيما حسمت السعودية موقفها من محاولات باريس جرها إلى مساحة لا تريدها، تؤكد مرة أخرى أنها تتعاطى مع لبنان بمعزل عن أي ساحة أخرى، ضمن سقف يشكل بالنسبة إليها، القاعدة الأساسية: بيان نيويورك الصادر في أيلول الماضي. وحتى الآن لم يتغير في نظرة السعودية حرف من موقفها المعبر عنه في البيان المذكور، قبل الاتفاق مع إيران وبعده، وقبل الخطوات الحوارية عربياً وبعدها. والقاعدة الثانية هي ضرورة التروي، لدى الحلفاء والخصوم، في الوصول إلى خلاصات، لأن ما يحصل لا يزال في بداياته.