يتحرك الاستحقاق الرئاسي لكن دون ان يتقدم، لان التوافق اللبناني حول اسم مرشح لن يحصل الا بتسوية داخلية تحت سقف خارجي، وهذا ما جرى في انتخابات رئاسة الجمهورية السابقة.
ولم يغب هذا الموضوع عن اهتمام الدول المعنية بلبنان، وتكوّن «اللقاء الخماسي» له، ويضم كل من اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، بعد ان كان ثلاثياً ويضم واشنطن وباريس والرياض، وعقد وزراء خارجيتها اجتماعاً لهم في نيويورك في ايلول الماضي، واصدروا بيانا حول لبنان تضمن مواصفات رئيس الجمهورية، التي تطلب منه تنفيذ القرارات الدولية المرتبطة بلبنان.
ومع تحول «اللقاء الثلاثي» الى «خماسي»، فأن الحل لم يصدر بعد، او لم يتوصل اطرافه الى تفاهم حول شخصية رئيس الجمهورية، وما اذا كانت مطابقة لما صدر عن الدول الثلاث، حيث اظهرت مناقشات ممثلي الدول الخمس عن تباين في وجهات النظر حول رئاسة الجمهورية خصوصاً، والازمة اللبنانية عموماً، وان كان يجمعهم قاسماً مشتركاً وهو ضرورة ان يخرج اللبنانيون بحل يساعدون انفسهم من خلال برنامج اصلاحي مالي واقتصادي وسياسي ينقذ لبنان، وهو ما تجمع عليه الدول القريبة والبعيدة، لان غالبية المتابعين للشأن اللبناني ظهر لهم، بأن الازمة سببها الفساد والهدر، وتعطيل المؤسسات لا سيما الرقابية منها، وممارسة المحسوبية.
وتنقل مصادر ديبلوماسية مطلعة على مواقف بعض الدول المعنية بلبنان، بان الموقف المباشر، هو عدم العودة الى الممارسات السابقة للمسؤولين في لبنان، الذين لم يستجيبوا لدعوات ومطالب مراجع دولية، بان يقدموا على الاصلاح، بل ما زالوا يديرون الازمة بالعقلية نفسها وبالاسلوب ذاته، وهذا ما يؤخر الوصول الى حل او قرار بشأن انتخابات رئاسة الجمهورية، التي هي شأن لبناني اولاً. واذا لم يقم من هم في السلطة وحتى في المعارضة، باعادة تقييم لما حصل، وتكون لديهم جرأة الاعتراف بالارتكابات التي قاموا بها، فان الحل الخارجي قد لا يتوفر قريباً، بل قد يلزمه بعض الوقت، حتى تأتي ظروف اقليمية او دولية تغيّر في المعادلات القائمة فتفرض حلاً، كمثل الاتفاق السعودي ـ الايراني، الذي احدث تحولاً على مستوى المنطقة سيترجم في اكثر من ساحة، وقد بدأ في اليمن ووصل الى سوريا، وسيصل الى لبنان، الذي عليه ان يحضّر الارضية الداخلية لتقبل حل، كما حصل في اكثر من محطة خلال العقود الثلاثة الاخيرة، من اتفاق الطائف الى الدوحة والتسوية الرئاسية، وهذا ما قد ينتظر لبنان، انما على التوقيت الاقليمي والدولي، بعد ان اختلف اللبنانيون على توقيت الساعة.
فلبنان سيأتيه الحل السياسي، انما على المسؤولين فيه ان يقابلوا ما يجري من حوارات في الخارج بين الدول بفتح ثغرة في الجدار الداخلي، للعبور الى توجه لبناني شبه موحد كما حصل قبل الطائف، عبر استنهاض حوار داخلي، بدأه الرئيس الراحل حسين الحسيني مع البطريرك الراحل نصرالله صفير، وقاربه وليد جنبلاط بفتح حوار مع اطراف مسيحية «بلقاء بيت الدين» عام 1988، ومهّد للمصالحة في الجيل التي حصلت في العام 2002.
وسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار، فتصدى له كل من «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»، فاوقفه بري اذا لم يكن المكوّن المسيحي الممثل في مجلس النواب فيه، ولم تنجح بكركي الا في جمع «النواب المسيحيين» في «رياضة روحية»، استمعوا خلالها الى عظة للبطريرك الراعي بان يقوموا بواجباتهم في انتخاب رئيس للجمهورية، محملاً المسؤولية لكل من يتخلف عن هذا الواجب الوطني، حيث لا مبادرات داخلية ولا لقاءات سياسية، اذ ان الاطراف التي يجمعها خط سياسي واحد مختلفة، مثل «التيار الوطني الحر» الذي يعارض ترشيح وانتخاب سليمان فرنجية، او يتقدم «اللقاء الديموقراطي» بتوجيه من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بمبادرة خارج اصطفاف ترشيح فرنجية او النائب ميشال معوض الذي ايده تكتله النيابي، ثم انسحب الى ترشيح كل من: جهاد ازعور وصلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزاف عون، حيث ادى ذلك الى قلب المعادلات.
لا يستطيع اي طرف ان يؤمن لمرشحه 65 صوتاً للفوز بالنصف زائداً واحداً، وفسحة تفاؤل خرجت من عين التينة، تؤكد الى ان فرنجية بات يملك نحو 55 صوتاً وهو اقترب من الفوز، انما يلزمه التوافق الخارجي الذي يسهّل عليه الوصول الى القصر الجمهوري، وهو نال تأييد فرنسا وعدم ممانعة مصر، ويبقى الموقف السعودي الذي لم يقل المسؤولون في الرياض كلمتهم، ويؤكدون على اولوية الاصلاح، والتزام كل من يتقدم الى رئاسة الجمهورية به، لان المسألة لم تعد النفوذ الايراني في لبنان او مرشح حزب الله، بعد ان حصل الاتفاق السعودي ـ الايراني، الذي سيكون الامن في المنطقة احدى ركائزه، لكن الاقتصاد هو الاساس، ولبنان عليه ان يكون في «محور الاقتصاد.
فالرئاسة الاولى مؤجلة، لكن ليس الى وقت غير منظور، ويقترب اللبنانيون من حصول استحقاقها، اذا اتفقوا على التوقيت السياسي والاصلاحي، كما على التناغم مع المتغيرات الاقليمية والدولية.