ليسَ الصمت في القاموس السعودي علامة رضى. هي سمة باتت المملكة تتبعها للتعبير عن «استيائها»، مغلّفة إياها بحجج من نوع أن «الرياض تنأى بنفسها عن لبنان، وأنها غير معنية بما يحصل فيه». حينَ تألفت حكومة الرئيس حسان دياب، سارعت السفارة السعودية في بيروت إلى إصدار بيان نفي بشأن تصريح لأحد الصحافيين السعوديين (فهد الركف) قال فيه إن الرياض «غير راضية عن الطريقة التي تمّ بها تكليف حسان دياب». يومها، عكس الصحافي السعودي الموقف الحقيقي الذي كانَ المسؤولون السعوديون يروّجون له في الجلسات المغلقة مع أصدقائهم اللبنانيين، فيتولون «بمعرفتهم» تعميمه، قبل أن يتضح ذلك من طريقة التعامل مع دياب وحكومته.
تتكرر التجربة اليوم مع تكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب بتأليف الحكومة الجديدة. لم يخرج عن المملكة أي موقف سلبي أو إيجابي، غير أن المعلومات تؤكد أن «سير الرئيس سعد الحريري بهذه التسوية غير مرضى عنه» سعودياً. تعتبر المملكة أن «أديب هو نسخة منقحة عن دياب، وهو استمرار لسيطرة حزب الله والرئيس ميشال عون على مفاصل الحكم في لبنان، بما لا يتناسب مع سياستها». حتى إن بعض المعلومات تشير إلى أن «السفير السعودي في بيروت وليد البخاري أبلغ الحريري منذ أيام، وخلال التداول باسم أديب، أن طريقة التكليف لا تتوافق مع الموقف السعودي، وأنهم يفضّلون نواف سلام».
رأي الرياض بشأن سلام عبّرت عنه القوات اللبنانية في الاستشارات النيابية، إذ باتَ معلوماً أن معراب هي المُترجم الرسمي للسياسة السعودية في لبنان، والأقرب إليها. لكن ماذا عن موقف الرئيس فؤاد السنيورة وهو خير معبّر عن رأي المملكة؟ لماذا قبل بتشارك المسؤولية مع الحريري والرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام في تسمية أديب؟ «السنيورة هو عضو في نادي الرؤساء وقد خضع لإجماعهم حول هذا الأمر، ليسَ إلا»، تجيب مصادر قريبة من السنيورة والسفارة السعودية.
مسؤولون سعوديون يتّهمون الحريري بأنه «أفضل حليف لحزب الله»
لا شك في أن تسمية أديب هي نتاج تسوية داخلية رعتها فرنسا، وهي تسوية تعتبر الرياض أن «الحريري أضاع من خلالها فرصة استعادة زمام المبادرة، وتعويم نفسه سياسياً، لكنه مصرّ على الخسارة». فالمنتظر من رئيس تيار المستقبل، بالنسبة اليها، هو «خوض معركة داخلية مع حزب الله والعهد، وقد كانت كل الأسلحة في يديه من حكم المحكمة الدولية، وصولاً إلى انفجار المرفأ، لكنه لم يفعل». وصل الأمر ببعض المسؤولين السعوديين إلى حدّ اتهام الحريري بأنه «أفضل حليف لحزب الله»، بحسب مصادر قريبة من السعودية.
وتشير المصادر إلى أن «المملكة ستتعامل مع حكومة أديب كما تعاملت مع حكومة دياب». صحيح أن أديب أتى برعاية فرنسية، لكن «الرياض ليست معنية بالسياسة الفرنسية في لبنان، ولا حتى السياسة الأميركية، وتعتبر أنه لا يُمكن إعادة إنتاج التسوية مع الرئيس ميشال عون وحزب الله بأشكال عديدة»، لأن هذه التسوية أثبتت فشلها. كما أن المملكة منذ البداية كانت ترفضها، لكنها غضّت الطرف نتيجة لوعود تقدم بها الحريري أن بإمكانه إبعاد عون عن حزب الله، فتبيّن أن الحريري هو الذي صارَ قريباً من الحزب». وتعتبر المصادر أن «المملكة لن تتدخل، لكنها لن تفتح الباب أمام حكومة أديب، وستستمر في النهج نفسه، أي النأي بنفسها عمّا يحصل في لبنان، وعلى الأطراف الذين قرروا السير بالتسوية مجدداً مع عون وحزب الله أن يتحمّلوا مسؤولية خياراتها»، مشيرة إلى «احتمال صدور بيان قريب شديد اللهجة».