Site icon IMLebanon

“خيبة” رئاسية لـ”الثنائي”: مفتاح المعارضة ضائع

 

يحاول كلّ فريق سياسي، إضافةً إلى تعويله على قوى خارجية رئاسياً، الاستثمار في مواقف الدول المؤثرة في هذا الاستحقاق، وآخرها موقف السعودية على لسان سفيرها لدى لبنان وليد البخاري إثر جولة على مرجعيات دينية وقيادات سياسية لبنانية. الموقف السعودي المُعلن لا يزال نفسه: انتخبوا من ترونه رئيساً مناسباً و»بعدها منشوف». هذا التأكيد السعودي لجهة عدم التدخّل في شأن لبناني داخلي، يحاول الفريق الذي رشّح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أن يفسّره لصالح خطته الرئاسية، على أنّه «عدم ممانعة» لوصول فرنجية وعدم دعم الفريق المعارض في معركته.

 

وإذ يرى البعض أنّ كلّ فريق له تفسيره للموقف السعودي ويعتبر أنّه يصبّ لصالحه رئاسياً، إلّا أنّ تفسير موقف الرياض الأخير لا يؤخذ من «الآخر» بل يجب وضعه في سياقه وضمن حراك «الفريق الممانع» رئاسياً، خصوصاً «الثنائي الشيعي»، على الخطين الداخلي والخارجي. انطلاقاً من ذلك، وعلى رغم محاولة الفريق الذي رشّح فرنجية «حفظ ماء الوجه» بعد أكثر من 8 أشهر على بداية مهلة انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأمين النصاب والأكثرية اللازمين لعقد جلسة انتخابية تنتج فرنجية رئيساً، إلّا أنّه في الترجمة العملية، هناك تفسير واحد للموقف السعودي: «خيبة» جديدة لرئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» وفرنجية.

 

ففي سياق حملة «الثنائي» لتسويق فرنجية ودعمه، وخصوصاً من جهة برّي، دأب هذا الفريق أخيراً على بثّ أجواء إيجابية تحملها الرياح السعودية، لجهة أنّ الفرنسيين نجحوا بإقناع السعوديين بتسوية تحمل اسم فرنجية رئيساً، وأنّ السعوديين سيبلّغون أصدقاءهم والمعارضة على تنوّعها وتعدّدها في لبنان بأنّهم يسيرون بهذه التسوية، وبالتالي أن ينتخبوا فرنجية، أو أقلّه إذا كانوا مُحرجين أن يؤمّنوا النصاب لجلسة انتخابه.

 

في الواقع، كان الموقف السعودي مخالفاً لهذا التسويق أو هذه التمنّيات»، فأتى السفير السعودي ليقول: الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي سيادي، نحن لا نتدخّل ولا نضغط ولا نسمّي ولا نرشّح ولا نضع «فيتو». وهذا يعني، بحسب مصادر مطّلعة على الموقف السعودي، أنّ سعي فريق «الممانعة» عن طريق فرنسا بغية أن تضغط الرياض على القوى السياسية في الداخل اللبناني لكي تغيّر موقفها وتدعم فرنجية، سقط. وهذا الأساس والتفسير العملي للموقف السعودي. فهناك ميزان قوى داخلية عجزت الممانعة عن تغييره، ما لم يمكّنها من إيصال مرشحها الى الرئاسة، فحاولت عن طريق فرنسا التواصل مع السعودية لتغيير موقف القوى المعارضة، إلّا أنّ هذا المسعى فشل. وبالتالي، عادت المعادلة الرئاسية الى دائرة ميزان القوى الداخلية، وهذا الميزان لا يسمح بوصول فرنجية، خصوصاً بعد سقوط الرهان على تغييره عن طريق تدخُّل خارجي.

 

بالتوازي، يخدم موقف السعودية المعارضة لجهة عدم التدخل في الموقف السيادي والشأن الداخلي، ما يعني أنّ تشدُّد المعارضة في منع وصول فرنجية سيتعزّز من دون أي ضغوط. كذلك لا يُعتبر موقف «عدم التدخل» أو عدم وضع «فيتو» سعودي على أي مرشح عامل إضعاف للمعارضة، بحسب مصادرها، إذ إنّ عدم إشهار «الكارت الأحمر» صراحةً في وجه فرنجية، لا يعني تسهيل انتخابه، والذي يبقى متعذّراً من أساسه بسبب المعارضة المسيحية شبه الشاملة. هذا فضلاً عن أنّ هذا الموقف لا يعني أنّ الدولة ستحصل على دعم سعودي محسوم مهما كانت هوية الرئيس. هذا تماماً كما أنّ موقف وزير خارجية إيران الذي زار بيروت أخيراً كان أن «يتوافق اللبنانيون» على الانتخابات الرئاسية، من دون أي موقف معلن داعم لمرشح «الثنائي»، وهذا لا يعني أنّ طهران لا تدعم «حزب الله» الذي يُعتبر أنّه جزء منها.

 

وفق هذا السياق الرئاسي، يتركّز عمل المعارضة على إيصال رسالة واضحة وحاسمة لفريق «الممانعة» المتمسّك بمرشحه، مفادها أنّه لا يمكنه هذه المرة تطبيق معادلته: «مرشحي أو الشغور»، بل إنّ المعارضة تضغط بدورها وفق معادلة: «مرشحك لن يصل والشغور مستمرّ، تحمّل مسؤوليتك». وهذا لا يستدعي، بحسب مصادر معارضة، موقفاً معارضاً واحداً رئاسياً، فإذا تمكّنت المعارضة من أن تتوصّل الى اتفاق على مرشح واحد وتأمين أكثر من 65 صوتاً له، فهذه خطوة مهمّة تسرّع مسار الاستحقاق الرئاسي وتعمل المعارضة على تحقيقها، إلّا أنّ المعارضة تدرك أنّ انتخاب الرئيس متعذّر بلا توافق داخلي. وبالتالي، يبقى تركيز المعارضة الأساس رئاسياً، على إسقاط مرشح الممانعة ومنع انتخابه، بغية إخراج «الثنائي» من إطار المرشح الممانع.

 

حتى الآن، تمكّنت المعارضة من «ضرب» المقايضة الفرنسية بين الرئاستين الأولى والثالثة وإسقاط الرهان على تدخُّل سعودي معها. وتعتبر أنّ موقف الرياض «ضربة استراتيجية» لفريق «الممانعة». لذلك تعتبر جهات عدة أنّ رحلة بحث «الثنائي» عن «المفتاح» الضائع لمعارضي فرنجية، من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الى المعارضة السيادية ستكون طويلة وغير مضمونة النتائج، فيما تعتبر المعارضة أنّها انتهت. أمّا «الثنائي» فيبدو في المدى المنظور، أنّه سيحاول مرّة أخرى.