IMLebanon

متى تتخلّى السعوديّة عن «الحياد» في ملف الرئاسة؟

إستراتيجيّة «الخطوة» مُقابل «الخطوة» تؤخر الحلّ «خصوم» المملكة وحلفاؤها… يُراهنون على الوقت!

هل قرار المملكة العربية السعودية «الحياد» في الملف الرئاسي نهائي ولا رجعة فيه ؟ سؤال يطرح بقوة بين القوة السياسية المصنفة ضمن دائرة «خصوم» الرياض وكذلك حلفائها. لكن لا جواب واضحا حتى الآن يمكن الركون اليه. الا ان تقاطع معلومات ديبلوماسية، اضافة الى تسريبات اعلامية «اسرائيلية» تكشف عن اولويات سعودية تتحكم بمسار الاستراتيجية المعتمدة من قبل ولي العهد الامير محمد بن سلمان،وهي تحتاج الى المزيد من الوقت كي تتبلور.

واذا كان الانفتاح السعودي على سوريا من خلال اعادتها الى الجامعة العربية واعادة فتح القنصلية السعودية في سوريا، مؤشر واضح على التوجهات الجديدة في قراءة المشهد في المنطقة عقب اتفاق بكين مع طهران، فان التفسير الاكثر قربا من المنطق لعدم حصول اندفاعة سعودية في حسم الموقف على الساحة اللبنانية، هو استراتيجة «الخطوة» مقابل «الخطوة» التي تتبناها المملكة في العلاقة مع ايران وحلفائها. ووفقا لاوساط ديبلوماسية، فان مدة الشهرين التي مرت تقريبا على الاتفاق السعودي – الايراني برعاية صينية، تخضع الآن لتقييم جدي من قبل الجانبين، بعد ان انتهت الفترة الزمنية التي حددها التفاهم لاستعادة التبادل الديبلوماسي بين الدولتين، ويمكن القول ان فترة الاختبار المتبادلة بدأت تتبلور، وقد يستغرق الامر اياما او اسابيع معدودة قبل الانتقال الى المرحلة التالية من التطبيع، التي تشمل دوائرها الملف اللبناني غير المصنف سعوديا كاولوية، لكنه يبقى مهما للغاية في اطار المقايضات المتبادلة مع طهران.

وانطلاقا من هذه النتائج، يمكن التعويل ايجابا على تراجع المملكة «خطوة الى الوراء»، قد لا تكون كافية لانتاج تسوية لبنانية، لكنها تعطي مؤشرا واضحا على استعداد المملكة للمشاركة بالحل عندما يحين وقت الانخراط جديا في معالجة الازمة. وما تحقق حتى الآن منذ 10 آذار الماضي مشجع للغاية، برأي تلك الاوساط، فقد اعيد فتح السفارات بين الجانبين، وتعزز التواصل والتنسيق الديبلوماسي على نحو غير مسبوق على اعلى المستويات، وستكون نقطة التحول المركزية الزيارتين المرتقبتين لكل من الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى الرياض، والملك سلمان بن عبد العزيز الى طهران، وقد ينوب عنه ولي العهد محمد بن سلمان، لكن التوقيت يبقى معلقا على حجم التقدم المرتقب في الاتصالات بشأن الحرب اليمنية ، التي ستكون «البوصلة» الحقيقية لاستكمال التطبيع الثنائي الذي انطلق ولن يعود الى الوراء حتى لو حصل بعض البطء في بعض الاحيان. لكن ما «كتب قد كتب» وهو قرار استراتيجي ثنائي لا رجعة عنه، وخلال المسار التصالحي يحتفظ كل طرف «باوراق» ولا يفرط بها مجانا وقبل الآوان، والملف اللبناني ليس استثناء بل جزء من هذه الملفات. ويبقى اليمن اولوية لدى الرياض وبعدها تتدرج القضايا الخلافية التي تحتمل المزيد من الاخذ والرد.

وما يعزز هذه الاستراتيجية القائمة على افتراض حصول تغيير جذري في السياسة السعودية وليس تغييرا تكتيكيا، تسريبات «اسرائيلية» رسمية عكسها الاعلام «الاسرائيلي» خلال اليومين الماضيين، كشفت عن فشل زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان للسعودية، ولفتت تلك المصادر الى انها لم تحمل الكثير من الاخبار الجيدة «لإسرائيل»، بعد ان اجرى سوليفان قبل سفره الى الرياض محادثة عبر «الإنترنت» مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، فيما ارسل اثنين من كبار مستشاريه، بيرت ماكغورك وعاموس هوكشتاين، الى «إسرائيل» لإطلاع نظرائهم على آخر المستجدات.

ووفقا لمعلومات صحيفة «يديعوت احرنوت» لا حاجة لحبس الأنفاس ترقبا لتوقيع اتفاق تطبيع بين «إسرائيل» والسعودية، لان الامور اختلفت الآن. واشارت الى ان طموحات الولايات المتحدة لنسج شراكات استراتيجية موازية مثل التعاون العسكري والمدني بين بعض دول المنطقة، التي تشمل «إسرائيل» أيضاً، لم تنجح، وتعرضت لنكسة بعدما جرت تفاهمات بين الدول التي تؤيد أميركا والدول المناهضة لها. والمقصود هنا التفاهم الايراني –السعودي.

وبحسب التقديرات «الاسرائيلية»، تحولت السعودية من دولة «منبوذة» من قبل الولايات المتحدة إلى دولة يغازلها الجميع، فقد أجبرت الرئيس الأميركي على زيارتها والالتقاء مع من اعتبره زعيماً مقيتاً، ولي العهد محمد بن سلمان، كي يطلب منه زيادة إنتاج النفط السعودي، في محاولة لتقليص النقص الذي حدث بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لكنه رفض الاستجابة.

ووفقا للتقديرات «الاسرائيلية»، فان السعودية تطمح حتى الآن إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن من موقع جديد في هذه المرة، كدولة يمكنها أيضاً إملاء الشروط وليس الخضوع لها. ويتبين الآن ان المملكة غير مستعجلة على اي شيء. فهي ليست دولة واقعة تحت الضغط أو تخشى من فقدان نفوذها الإقليمي. فهي الآن عراب عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وولي العهد محمد بن سلمان علّم الولايات المتحدة درساً في الديبلوماسية الإقليمية. فهو بحسب صحيفة «هآرتس» خلط كل الأوراق ولم يقترب من «إسرائيل»، بل تقرب من إيران، وهو يتحدث مع حزب الله للتفاهم على انتخاب رئيس جديد في لبنان، وتقرب من سوريا ودعم المصالحة بينها وبين باقي العالم العربي. والآن مصر والأردن تجريان حواراً مع إيران، التي أكملت حصار «إسرائيل» من قبل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي. والخلاصة ان وضع الجديد المتشكل سيقلص قدرة «إسرائيل» على مواصلة الانخراط في المجال الشرق أوسطي، وعلينا كما تقول «هآرتس»، أن نجلس لنفكر ونفحص التغييرات لنحدد السياسة المقبلة.

هذا في «اسرائيل»، اما في لبنان فالبعض لا يزال يدفن «رأسه في الرمال»، ولا يريد قراءة التحولات، والاسباب ليست استراتيجية، تقول اوساط سياسية بارزة، بل لاهداف شخصية بحتة، وانانية منقطعة النظير، وقصر نظر سياسي غير مسبوق، ثمة رهان خاطىء على الوقت من قبل حلفاء الرياض، علّ التسوية المفترضة تفسد ولا يضطرون لدفع الاثمان، يراهنون على اللامبالاة السعودية الحالية كي يتجنبوا التنازل. في المقابل «خصوم» المملكة يراهنون ايضا على الوقت بانتظار ان تتبدد هذه الخصومة ذات المنشأ الاقليمي لا الداخلي، وعندها سيكون هناك كلام سعودي آخر برأيهم سيسمح باتمام التسوية، فالحياد الحالي مرحلي، وهو قد يتطور في المرحلة المقبلة ويصل الى نقطة تقاطع على التسوية الفرنسية المقترحة، وان استدعت بعض التعديلات لجهة هوية رئيس الحكومة المقبل والضمانات المطلوبة للمرحلة المقبلة… ولهذا يتأخر الحل، وحالة الانتظار تبقى «سيد الموقف».