في تشرين الثاني الماضي، دعا السفير السعودي في بيروت وليد البخاري إلى مؤتمر حول اتفاق الطائف عُقد في قصر «الأونيسكو» في الذكرى 33 لإبرام الاتفاق. يومها، فهِمت كل القوى السياسية رسالة الرياض برفض المسّ بـ«دستورها» الذي رسم الحدود السياسية لكل طائفة، وعدم رضا المملكة عن دعوات التقسيم والفدرلة وتغيير النظام، ودعوات الحوار لبحث الأزمة اللبنانية، وما قد تحمله من نوايا مبيّتة للانقلاب على الطائف وتوازناته من خلال الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي يغيّر في موازين المؤسسات. ومع أن الرياض لازمت مربّع «الحياد» بالنسبة إلى الأزمة اللبنانية والملف الرئاسي، ورفضت – ولا تزال – الانخراط في المبادرة الفرنسية وضمّ لبنان إلى مسار «التسوية» الشامل الذي تعتمده في المنطقة، إلا أنها بقيت متنبّهة إلى فكرة الحوار التي أعيد إحياؤها مع الزيارة الأولى للمبعوث الفرنسي الخاص جان إيف لودريان.
وفيما تستعدّ بيروت لعودة الموفد الفرنسي، بعد لقاء مطوّل له مع المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي نزار بن سليمان العلولا، في ديوان وزارة الخارجية في الرياض، انهمكت دوائر سياسية في التحري عن نتائج اللقاء والسؤال عما سيحمله لودريان من مستجدّات حول الدعوة إلى الحوار.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مطّلعة إن اللقاء الذي سيتبعه اجتماع لمجموعة الخمس حول لبنان (تضم السعودية وفرنسا والولايات المتحدة ومصر وقطر) في الدوحة، يهدف الى توفير رعاية خارجية أو غطاء لطاولة الحوار وإقناع القوى المعارضة بعدم تعطيله. لكن، بحسب المعطيات المتوافرة، فإن «موقف المملكة من مبدأ الحوار ليسَ إيجابياً، علماً أنها لم تعلِن عن ذلك بوضوح، لكن ما يتسرّب عنها في الحدود الضيقة ينقل بأن اللاموقف هو أقرب إلى الاعتراض، لأسباب عديدة، من بينها:
أولاً، عدم جهوزية الطائفة السنية التي تفتقد وجود ممثل لها، حيث ستظهر على طاولة الحوار وكأنها الحلقة الأضعف، في ظل غياب زعيم يتسلح بالثقلين السياسي والشعبي، وبالتالي فإن تمثيل الطائفة عبر مجموعات منقسمة بين مستقلّين وتغييريين أو منتمين إلى فريقين سياسيين مختلفين سيعود على السُّنة بأضرار كبيرة.
ثانياً، وجود مخاوف كبيرة من أن يتحول الحوار من مداولات رئاسية إلى نقاشات في صلب النظام. وفي هذا الإطار، كانَت لافتة المواقف التي أطلقها أخيراً الثنائي حزب الله وحركة أمل للتأكيد على التمسك بـ«الطائف»، بإعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «اتهام الحزب بأنه يريد إلغاء الطائف هو كذب وتضليل»، وتوجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري تحذيراً «لمن يريد تغيير الطائف أن يقعد عاقلاً»، وهي أتت، بحسب المصادر، في سياق التطمينات التي لم يتلقّفها الآخرون ومن بينهم المملكة. لا بل هناك تشكيك في أن تؤسس طاولة الحوار لأرضية تسمح لاحقاً في الذهاب إلى الحديث عن تغيير النظام.
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن السفير السعودي في بيروت ظهر مرتاحاً لموقف القوات اللبنانية التي استبقَت وصول لودريان بإعلان رفض أي دعوة للحوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وبحسب المعلومات، تنسّق معراب مع قوى المعارضة في اجتماعات بعيداً من الأضواء، للاتفاق على موقف موحّد رافض للحوار ويطالب بعقد جلسات انتخاب مفتوحة، على أن يتم إبلاغ لودريان بهذا الموقف حينَ عودته.