فوجئت بما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» وقالت فيه على ذمّتها: «إنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جمع الصحافيين المحليين في الرياض في شهر كانون الأول (ديسمبر) الفائت وقال: إنّ الإمارات العربية المتحدة، حليف البلاد منذ عقود، طعنتنا في الظهر»، مؤكداً حسب ما نشرته الصحيفة: «إنهم سيرون ما يمكنني فعله».
وانتظرت مدّة من الزمن، لم أشأ التعليق فيها على هذا الموضوع رغم أهميته… فلا الإمارات العربية المتحدة، عبر مسؤوليها ردّت على هذا الكلام، ولا وليّ العهد السعودي نفى ما نقلته الصحيفة جملة وتفصيلاً… أو أوضح ما هو صحيح من هذا الخبر، وما هو غير صحيح…
هنا كان لا بدّ لي من التطرّق الى هذا الموضوع لأقول:
إذا صحّ هذا الكلام، فإنّ هذا يعني أنّ العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات، تدهورت لدرجة دفعت ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لوصف المسؤولين في الدولة الخليجيّة الجارة بأنهم «طعنونا في الظهر».
وما زاد الطين بلّة ان الصحيفة نقلت أيضاً عن ولي العهد بأنّ المملكة مستعدة لاتخاذ إجراءات عقابية، إزاء الإمارات إذا لم تستجب لقائمة من المطالب… وأضاف -على حد قول الصحيفة-: «إنّ الإجراءات ستكون أسوأ مما فعلت بقطر»، في إشارة الى الأزمة السياسية التي اندلعت في عام 2017 وشهدت مقاطعة اقتصادية وديبلوماسية قادتها السعودية والإمارات ضد قطر.
في الحقيقة لا أعلم تماماً سرّ الخلاف بين السعودية والإمارات إذا كان هناك من خلاف… ولا علم لي بذلك إلاّ عن طريق صحيفة «وول ستريت جورنال».
كنت -ولا أزال ـ أتمنى أن تبقى الدولتان الشقيقتان السعودية والإمارات على أتم انسجام بينهما لصالح الخليج والعرب والمسلمين على حدّ سواء..
هذا ما أتمناه… وأحاول تحليل ما كتبته الصحيفة عمّا سمته «خلافاً»، أتمنى أن يأتي توضيح عن ولي العهد السعودي الذي نُسِبَ القول إليه، ورغم ما قيل أحيي صمت المسؤولين الإماراتيين، حتى لا تتسع الهوّة -هذا إن كانت موجودة- بين البلدين الشقيقين. والمتعمّق ببواطن الأمور، يعلم أنّ العلاقة بين أبوظبي والرياض لا تقوم فقط على صداقة حكامهما، لكنها تقوم في الدرجة الأولى على تحالفٍ طويل الأمد، نجا من أزمات مختلفة على مرّ السنين.
وأعود الى الصحيفة التي قالت بأنّ العلاقات بين ابن سلمان وابن زايد… جاء بسبب حرب اليمن.
ففي البداية، خاض كلاهما حرباً ضد ميليشيا الحوثي المتحالفة مع إيران عام 2015.. وضغطا على الولايات المتحدة لمعارضة الاتفاق النووي الايراني. كما فرض كلاهما حصاراً اقتصادياً على قطر، التي اعتبراها صديقة جداً لإيران. وكريمة جداً مع حركة حماس الفلسطينية، وقريبة جداً من جماعة الإخوان المسلمين.
وفي صيف 2019 أوقفت الإمارات حربها ضد المتمردين الحوثيين في شمال اليمن… وركزت على دعم اليمنيين في الجنوب.
قد يكون -حسب الصحيفة أيضاً- هذا من الأسباب التي جعلت السعودية تظن ان «الإمارات» تخلّت عنها. وأظن -إذا كان هذا الأمر صحيحاً- فإنّ الإمارات دفعت ثمناً باهظاً من أرواح أبنائها، وهي وجدت بأنّ الحرب دامت أكثر بكثير مما هو متوقع، فأرادت الانكفاء.
سبب ثانٍ ركزت عليه الصحيفة، إذ أشارت الى ان تفاقم الخلاف السعودي – الإماراتي نتج أخيراً، عندما قرّرت المملكة استبعاد الواردات من المناطق الحرّة من اتفاقية التعرفة التفضيلية مع دول الخليج العربي، لذا غيّر السعوديون قوانينهم.
وتشير الصحيفة أيضاً، أنّ أحداث الأسابيع الأخيرة لا سيما في ما يتعلق بمزيد من الخلاف بين أبوظبي والرياض في سياق تحالف (أوبك +)، ومحاولات السعودية لتحدّي هيمنة الإمارات وبخاصة دبي كمركز مالي إقليمي.
وعلى الرغم من ان الإمارات والسعودية لا تزالان غير واثقتين من النظام الإيراني… إلاّ أنّ الرياض رأت انه من الضروري والمجدي التوصّل الى تسوية مع طهران.
إنّ البلدين الخليجيين يقيمان منذ عقود طويلة علاقات ديبلوماسية وثيقة للغاية، غير ان ما يسمّى بالخلاف اشتد بسبب المنافسة الاقتصادية المحتدمة في قطاع التكنولوجيا والنقل وغيره.
لست أدري تماماً مدى صحّة ما كتبته الصحيفة المذكورة، لكن عدم نفي ولي العهد السعودي ما نُسِبَ إليه أقلقني.. لكنني على ثقة تامة من أن البلدين لن يسمحا بكسر «الجرّة بينهما»… فالدم لا يمكن أن يتحوّل الى ماء.