لا أبالغ عندما أقول إنّ الرهان على المملكة العربية السعودية في المساعدة على حل مشكلة لبنان وانتخاب رئيس جديد للجمهورية هو رهان خاطئ، بل هو أكبر كذبة.
ولا أبالغ في القول إنّ المملكة في عهد ولي العهد الجديد الذي دخل الحكم من دون أي تجربة أو خبرة لا يجوز الرهان عليها وعلى ان المملكة سوف تساعد للوصول الى حلّ في لبنان هو رهان خاطئ أيضاً.
اليوم ولي العهد السعودي لديه أولوية وحيدة هي حرب اليمن، والسبب بكل صراحة انه عندما دخل في حرب اليمن كان يظن ان المشوار سيكون لمدة اسبوعين أو على أقصى حد لمدة شهرين، ويرتاح من هذا المرض السرطاني، وهكذا كانت الحال بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ان الشيخ محمد بن زايد كان يظن ان الحرب ستكون لأسبوعين فقط، وعلى أقصى حد لمدة شهرين، ولذلك كان انسحابه بعدما شعر بفداحة الخسائر وبخاصة البشرية حيث ان عدد سكان الإمارات قليل ولا يتحمّل حروباً… ومن هنا كان الانسحاب بعد 3 سنوات، لأنه قدّم الغالي والنفيس ودفع ثمن تلك المشاركة نخبة من شبان العائلة الحاكمة في تلك الحرب العبثية، إضافة الى كميات كبيرة من مليارات الدولارات من دون أي فائدة.
بالعودة الى الاتفاق الذي حصل في بكين بين المملكة وإيران برعاية الصين، يفترض حسب المصادر السعودية وفق بند ينص على عدم تدخل إيران في شؤون الدول العربية، أن يتوقف الحرس الثوري عن الدعم المالي لحزب الله اللبناني ولحزب الله العراقي وباقي الميليشيات الشيعية، كذلك يتوقف عن دعم الميليشيات الشيعية في سوريا، وأخيراً وهو الأهم، أن تتوقف إيران عن دعم الحوثيين في اليمن.
وقد تبيّـن في ما بعد، وحسب مصادر إيرانية موثوقة، ان إيران انكرت هذا البند، وقالت إن الموضوع فقط يخص التنسيق من أجل اليمن، وبالتأكيد فإنّ هناك شروطاً إيرانية حول الموضوع.
لذلك، يتبيّـن ان أي موضوع غير موضوع اليمن مرفوض البحث به.
في الحقيقة، ان السعودية باعت كل القضايا العربية ولم تهتم إلاّ بقضيتها، أي قضية حرب اليمن التي استهلكت أكثر من نصف “صندوق الأجيال” الذي أنشأته للاستفادة منه في فترة ما بعد النفط، طبعاً هذا غير المليارات التي دفعت ثمن سلاح وذخائر، وعدا المصاريف والخسائر جرّاء حرب أصبح عمرها 8 سنوات.
يبقى هناك سؤال جوهري هو: هل دخلت المملكة هذه الحرب بعد دراسة احتمالات النجاح أو الفشل؟ الجواب: كلا.
من ناحية ثانية، علينا أن نعلم أنّ الحاكم الفعلي لإيران هو الحرس الثوري طبعاً، بمباركة المرجعية الدينية أي “ولاية الفقيه” الذي هو آية الله الخامنئي. باختصار شديد هناك دولتان في إيران: الدولة الحقيقية التي يترأسها آية الله الخامنئي، والسلطة فيها للحرس الثوري الذي يملك كل ثروات الدولة من مال وسلاح وشركات، وهو الذي يبيع النفط، وهو الذي يهتم بالسلاح. بينما الدولة الايرانية الرسمية التي يرأسها ابراهيم رئيسي ليست إلاّ صورة بدون فعالية لأنّ السلاح والمال بيد الحرس الثوري.
صحيح ان الاتفاق بين السعودية وإيران حصل بين الدولة السعودية والدولة الايرانية، ولكن السؤال: هل وافق الحرس الثوري على الاتفاق؟ طبعاً لا. وللتأكيد على ذلك نرى أنه وبعد توقيع “اتفاق بكين” صرّح الحرس الثوري ان الاتفاق يتضمن فقط قضية اليمن، اما بالنسبة للبنان وسوريا والعراق فإنّ الاتفاق لم يشمل الدول الثلاث، أي ان الاتفاق هو بين المملكة وإيران حول اليمن فقط لا غير.
بالنسبة للاتفاق مع اليمن أيضاً، هناك مشكلة إذ عندما بدأ تنفيذ الاتفاق الذي تضمّن:
البند الأول: وقف القتال، وهذا تحقق.
البند الثاني: تبادل الأسرى بين المملكة وبين الحوثيين، وهذا تحقق أيضاً.
البند الثالث: هذا البند من الاتفاق بين المملكة والحوثيين ينص على إعادة تكوين السلطة في اليمن. وحول هذه النقطة يقول الحوثيون إنّ تبادل الأسرى جرى بين الحوثيين وبين المملكة، لذلك يجب أن يتم الاتفاق بين الحوثيين وبين المملكة.
هنا رفضت المملكة بحجة ان الاتفاق يجب ان يكون بين اليمنيين وبين الحوثيين الذين يشكلون أهل اليمن… فرفض الحوثيون وتوقف تنفيذ الاتفاق عند هذه النقطة بانتظار ضغط من إيران على الحوثيين كي يعودوا الى المفاوضات التي لا تبدو إيران مستعجلة لتنفيذ بنودها.
وتم الاتفاق بين أميركا وإيران على مبادلة 5 أسرى أميركيين مقابل الافراج عن 6 مليارات دولار مجمّدة في كوريا الجنوبية، وتسمح الولايات المتحدة لإيران باستعمالها لشراء الدواء والغذاء فقط، لكنّ هناك أموالاً أخرى. والغريب العجيب ان إيران أعلنت عن تخفيض التخصيب الذي كان مشكلة كبيرة والانتظار هو سيّد الموقف.