هل من تقاطع موضوعي إيراني – تركي في لبنان
طوت القمة 41 لدول مجلس التعاون الخليجي (٥ كانون الثاني ٢٠٢١) في العلا الأزمة المستمرة منذ 3 سنوات في الخليج، إذ إن المصلحة العليا لشعوب الدول الخليجية الست تقتضي ذلك، وتقتضي أيضاً إطلاق مسيرة تعاون على طريق جبه التحديات وصناعة المستقبل على كل المستويات الاستراتيجية. أكثر من ذلك أقفل إنهاء الأزمة باب الاختراق الإقليمي… وهي بهذا المعنى كانت قمة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، وصانعة للحدث في أزمنة الارباك الكوني، وتستحق الإشادة والتقدير.
ثمة نقطة تستحق التوقف عندها في مخرجات القمة التي عقدت في مدينة العلا التاريخية وذات الرمزية الحضارية الاستثنائية، فإذ شددت في بيانها على «عدم المساس بسيادة أيّ دولة أو استهداف أمنها»، لفتت إلى أنه «تواجهنا تحديات لمواجهة السلوك الإيراني التخريبي»، ورفضت «استمرار التدخلات الإيرانية»، وأدانت «أعمال إيران الإرهابية»، ثم أشادت بقرارات الدول التي «صنّفت حزب الله منظمة إرهابية، في خطوة مهمّة تعكس حرص المجتمع الدولي على أهمية التصدّي لكل اشكال الإرهاب وتنظيماته».
مَن المسؤول عن عزلة لبنان؟
وإذا كان هذا «التكاتف» الخليجي ضدّ إيران و«حزب الله» ذي دلالات واضحة، فإنه يعكس تبدلاً في المقاربة الخليجية للمسألة اللبنانيّة دون غيرها، إذ من المتوقع أن ينتج عن التقارب بين الدول الخليجية تعاون ستستفيد منه بدون شك دول عربية عدّة كمصر والسودان والأردن واليمن وغيرها، كما سينتج شراكات عابرة للقارات مع العالم الأوسع.. لكن من المؤسف أن لبنان ليس على جدول اهتمامات الدول التي بقيت تاريخياً إلى جانبه في كل الظروف وفي مختلف المجالات إلى أن تحوّل دولة فاشلة يتم استهداف أمنها واستقرارها ووحدتها الاجتماعية من أراضيه بعد تحوّله إلى مستوطنة إيرانية.
في لبنان لا جديد سوى التشاطر الكلامي من قبل أركان السلطة الفاسدة، والكثير الكثير من استغباء الناس والتلاعب بالشعارات والعناوين والمصائر لدرجة أن البلد تحوّل إلى عبء على ساكنيه وعلى العرب والعالم. يغرق البلد كل دقيقة إلى قاع القعر، والعهد النحس وراعيه منشغل ببيع الأكاذيب.
لكن هل يحق للخليج ودوله الإعراض عن لبنان؟
في التقدير، أن المواقف الخليجية تجاه لبنان ليست مفاجئة أبداً لمن يتتبع مسار التباعد اللبناني المتهوّر والمتعمّد والخطير عن عمقه الحيوي الداعم والمساند، أي دول الخليج، وعن الدول الغربية الصديقة، بل إن الغرابة تكمن فيما لو استمرت هذه الدول بدعم لبنان دون شروط، وهي تعلم أن هذا الدعم لا يصل إلى حيث يجب، أي الدولة ومؤسساتها والجهات المحتاجة بل إلى دويلات الفساد والهدر والصفقات. بل على العكس من هذا الاحتمال، لم تعامل دول الخليج أكثر من نصف مليون لبناني مقيم على أراضيها بجريرة الأطراف اللبنانية التي تسيء إليها، وتعتدي على أمنها واستقرارها، بل عاملتهم بقيم الأصالة والمروءة والمحبة والصبر.
لكنَّ الدولَ لا تبني أمنها الاستراتيجي وأمنها القومي، ولا تتعامل مع قضاياها الحيوية ومسائلها السيادية على القيم فقط، بل على المصالح وموازين القوى وحسابات التأثير والفاعلية والملاءمة الداخلية.. وبهذا المعنى يحق للسعودية وبقية دول الخليج أن تعلي جرس الإنذار، ليس بوجه حزب الله فحسب، بل على مسمع اللبنانيين جميعاً، بأن ما يجري ضدّ مصالح بلدهم ومصالحهم الخاصة، وإذا كانت الطبقة السياسية احتَرَفَت بيع الأكاذيب مع أصدقاء لبنان على مدى عقود، فإن الشعب ينبغي أن يكون أكثر حرصاً على مصالحه ومصالح أبنائه، وهو الذي اكتوى بنار فساد هذه المنظومة التي لم تكتف بسرقة المال العام بل نهبت مدخراته ولم يرف لها جفن، وعليه أن يدرك مخاطر وتبعات الارتهان الوطني للقرار الايراني!
وعليه، لماذا على السعودية ودول الخليج، والعرب عموماً، مساعدة لبنان سياسياً ومالياً في وقت انفضح كذب المنظومة المتحكّمة على الفرنسيين والأميركيين والمجتمع الدولي، وتملّصت من كل الالتزامات والوعود غير الصادقة بالإصلاح ومحاربة الفساد؟
الشعب غير السلطة!
بات لبنان ساحة تنافس للصراع الإقليمي الذي يتخذ أشكالاً عدّة، لكن المهم هو أن إدانة الهيمنة الإيرانية التي فرّغت البلد من ميزاته، لا تعني الاستعجال بالارتماء في الحضن التركي، فالخيار العربي، لا الإيراني ولا التركي وليس الإسرائيلي حتما، هو الخيار الذي يتلاقى ويتقاطع ويتناغم مع هوية لبنان ورسالته.
في المقابل، على دول الخليج أن تعلم أن الشعب اللبناني بغالبيته هو المتأذي الأول من فجور وإجرام وجحود المنظومة المتحكّمة ومن التدخلات الإقليمية فيه، وأنه ينتظر تفهّما أكبر من قبل الخليج لظروف وملابسات الأزمة بوجهها الراهن والمساعدة في حلّها على قواعد تحفظ السيادة وتضمن المصالح، وبالتالي التمييز بين المنظومة المتحكّمة وهيمنة السلاح على القرار الوطني، وبين غالبية ساحقة تريد لبنان خلاف ذلك، وتريده مميزا في محيطه العربي والعالم.. فجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وواشنطن وباريس، وخصوصا الفاتيكان باتوا يميزون بين السلطة المارقة والشعب اللبناني، إن ادراك هذا المعطى يفتح الباب لتسهيل عملية التغيير المأمولة، وتعطي دفعا لكل جهود تحرير البلد من خاطفيه.
لم تقصّر السعودية، ومعها والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان ومعهم مصر في حرصهم على لبنان الدولة والشعب، بالفعل لا الكلام، والبذل لا التحريض، وهم يعتبرون ذلك وقوفاً أخلاقياً وأخوياً مع بلد يعاني مشكلات مستعصية، ويرونه أيضاً دعماً للأمن الإقليمي العربي بمعناه الاستراتيجي الواسع، وهم كما الأوروبيون والمجتمع الدولي، لا يريدون منه إلا الحياد والإصلاح ومحاربة الفساد، بصدق وشفافية وجدية، وانتهاج العقلانية والابتعاد عن المكابرة والشعبوية في مقاربة الأمور الداخلية والخارجية، والأهم أن لا يكون لبنان منطلقاً للاستهداف، السياسي والأمني، لأي بلد عربي… وهذا ما لم يحصل، وأغلب الظن أنه لن يحصل مع هذه الطبقة السياسية… والباقي على روّاد التغيير.