تزيد موسكو، تباعاً، في وتيرة ديناميتها الشرق الأوسطية. هي حريصة على تزخيم حضورها في المنطقة ربطا بمجموع المصالح التي راكمتها في الأعوام الأخيرة، وتحديدا منذ عودتها الى ضفاف المياه الدافئة من الباب السوري الواسع. وهي مصالح سياسية وتجارية على حد سواء، ظهرت في تنامي العلاقات التجارية مع عدد من دول المنطقة، من العرب الى الأتراك والإسرائيليين أيضا.
ويتوزع الحضور الإستراتيجي الروسي راهنا في أكثر من مساحة جغرافية، من النزاع السوري حيث مفتاح الحل المعقود لواؤه لموسكو كما عقود إعادة الإعمار الموعودة، الى الصراع الليبي مشاركةً في أي حل وحجز حصة في الاستثمارات النفطية، كما في الشراكة في حماية أمن دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
ليس خافيا أن القيادة الروسية تسعى الى معالجات جذرية للأزمة السورية، وتريدها سريعة ومؤثرة في الوقت عينه. فهي في موقع العارف بأن الفراغ الأميركي الناتج من عدم إكتمال التعيينات في الدوائر الديبلوماسية الأميركية المعنية بالشرق الأوسط، تتيح لها ملأه، وتاليا تزخيم عملها وصولا الى تحقيق رؤيتها للعلاج السوري.
الزيارة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتي قادته الى كل من الإمارات العربية المتحدة والممكلة العربية السعودية وقطر، حضرت سوريا فيها كأحد النقاط المتقدمة في جدول لقاءاته، الى جانب كل من اليمن وليبيا والملف الإيراني. فيما لا تخرج زيارة وفد حزب الله الى موسكو عن سياق المقاربة الروسية للمسألة السورية وتأثيراتها على لبنان.
الرياض أبلغت شخصيات الحرص على أفضل العلاقات مع لبنان
وتعدّ موسكو لإستقبال مسؤولين لبنانيين في الأسابيع القليلة المقبلة، ربطا بالرغبة الروسية في إستيلاد حكومة فاعلة وقادرة على إطلاق عملية إصلاح وتصحيح غير مسبوق في البنيان اللبناني. ولن تخرج أي تركيبة حكومية، وفق القيادة الروسية، بما فيها صيغة التكنوقراط التي تناولها بيان وزارة الخارجية في أعقاب لقاء لافروف بالرئيس المكلف سعد الحريري، عن السقف الذي وضعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وهذا الموقف الروسي الحازم تبلغته أكثر من جهة لبنانية تواصلت معها في الأيام القليلة الفائتة، وخصوصا كلّ معني بالتأليف.
يتقاطع هذا المناخ الروسي مع مقاربة خليجية متغيّرة للعلاقة بالقيادة السورية واكبت زيارة لافروف، وتمثّلت في إطلاق دينامية متقدمة تمهّد لإعادة دمشق الى الشمل العربي، تكون بدايته الرسمية إستئناف العلاقات الديبلوماسية معها، وإن بشكل تدريجي، بالتزامن مع وقف قرار تعليق عضويتها في جماعة الدول العربية. ومجمل هذا المسار لا بد أن يلمس لبنان إيجابا مفاعيله.
كما يتقاطع كل هذا المناخ مع تطور لافت في العلاقة اللبنانية – السعودية، وهو ما يتوقع مسؤولون لبنانيون تلمّس مفاعليه في وقت ليس ببعيد، ربطا بمروحة من الإجتماعات واللقاءات التي حصلت في بيروت وفي عدد من العواصم، وخصوصا في باريس، صبّت كلها في سياق تأكيد الجانبين اللبناني والسعودي على الرغبة المتبادلة بنقل العلاقات الى مستوى جديد، يقفل أي سوء تفاهم أو توتر قد يكون حصل في مرحلة من المراحل.
مجمل هذا التطور لمسته في الأيام الأخيرة شخصيات لبنانية زارت السفارة السعودية، وتقاطع مع معطيات ديبلوماسية واردة من الخارج هي حصيلة إجتماعات حصلت على مستوى رفيع.
وتبلغ مسؤولون لبنانيون حرص القيادة السعودية على أفضل العلاقات مع لبنان بمختلف تلاوينه السياسية والحزبية، مع تشديد على أن العلاقة مع رئاسة الجمهورية قائمة على الود والإحترام والإستعداد لكل تعاون. الامر الذي عكسه أيضا زوار بعبدا مع تلمّسهم تأكيد رئيس الجمهورية الحرص على أفضل العلاقات مع المملكة، والرغبة في تطويرها، إنطلاقا من أن المصلحة اللبنانية العليا تقتضي أحسن علاقة بالمملكة العربية السعودية، ونبذ كل ما قد يضر بهذه المقاربة، ولا سيما من جانب من يسعى الى تقديم مصالح شخصية على المصلحة العليا للدولة.