IMLebanon

الرمّان الملغوم وتلغيم السعودية

 

ليسـت مشكلــة لبنان مع السعوديــة ودول الخليج العربي مشكلة تقنية. كانت محاولات التهريب تجرى فتنجح أو تفشل بمقدار يقظة أجهزة الأمن وتعاونها وتصرفها في الوقت المناسب. والتهريب يرتقي الى مصاف الجريمة عندما يتناول المخدرات، والمخدرات ومكوناتها لم تكن ذات مصدر لبناني فقط. كانت افغانية وايرانية وذات مصادر أخرى، ولبنان احتل مرتبة متقدمة منذ زمن عندما تحولت مناطق في البقاع الى سهولٍ لزراعة الحشيشة. في حينه اشرفت المخابرات السورية على الزراعة، وعندما تحرك الأميركيون لمنع هذه الزراعة، رضخ السوريون وشرّعوا مع معاونيهم اللبنانيين للزراعات البديلة، فحلّ دوّار الشمس بديلاً يغطي سهول الحشيشة. اصبح لتلك السهوب قيمة أكبر مع حلول الميليشيا محل الجيش السوري. صارت زراعات الممنوعات مطلباً جماهيرياً وقضية أهلية. وتحول كبار المزارعين والتجار الى حملة أوسمة من رتبة مطلوبين بمئات مذكرات التوقيف، وانتقلت الزراعة الى مرتبة التصنيع. نشأت المصانع المتخصصة، ودخلت حبوب الكبتاغون وأنواع نجهلها عالم الصناعة الجديدة، التي تحولت قطاعاً حيوياً في المجهود الحربي بعد نشوب المعارك في سوريا والتضييق على موارد ايران، والحاجة الى مزيد من الأموال للإستمرار في التسليح والتجنيد وقتال العدو، وفي سبيل ذلك صدرت الفتاوى اللازمة وآخرها سمعها اللبنانيون والعالم قبل أيام.

 

تزامن صعود الممنوعات في لبنان مع انهيار الدولة ووضع اليد على مؤسساتها ومع هجوم منهجي من القوة المهيمنة على السلطة ضد السعودية ومدن “الزجاج” الخليجية. ولم يبق هذا الهجوم في حدوده السياسية والإعلامية، وإنما جرت ترجمته في هجمات حربية مباشرة شارك فيها “لبنانيون”، بقيادة وقرار إيرانيين، ضد اراضي السعودية وسكانها ومنشآتها. وهؤلاء اللبنانيون انفسهم جعلوا مناطق يسيطرون عليها في لبنان معسكرات تدريب ومنصاتٍ اعلامية مهمتها الأبدية التحريض على بلدان الخليج، والسعودية في مقدمها.

 

هذا الســلوك هو أكــبر وأخطر بكثير من شاحنة رمان ملغوم، ولو لم يكن قائماً وتحوَّل الى ما يشبه سياسة رسمية لبنانية، لما اتخذت شاحنة المخدرات كل هذه الأبعاد، ولما اتــخذت السعودية التدبير الجذري الذي اعلنته. ففي ظروف طبيعية كان يكفي اتخاذ الاجراءات المعتادة، واطلاق المشاورات الأمنية والسياسية التقليدية، لكن الرمّان الملغوم كان هذه المرّة النقطة التي أفاضت الكأس، وهذا ما لا يريد إجتماع بعبدا فهمه، ولأنه “لم يفهمه” خرج بقراره العجيب حول تكليف “فهمي” إجراء الإتصالات اللازمة…