لقد بلغ مستوى القرف عند اللبنانيين من دولتهم «المنتنة» مبلغاً غير مسبوق لم يبلغوه حتّى في عزّ الحرب الأهليّة، منذ مجيء المنظومة الحاكمة إلى السلطة وتوسيع رقعة الدّمار للجلوس على الكرسي، حكم مشؤوم يحل الخراب معه أينما حلّ، منفصل عن الواقع، يمتلك قدرة على تصوّر الأمور كما يريد وإقناع نفسه وأتباعه بالصورة، مجرّد «عقليّة الغيرة الصبيانيّة» التي قدّم نموذجاً عنها باسم رئيس التيار الوطني الحر الذي ترك خيالات صحرا في الوزارات التي شغلها لينوبوا عنه، وما قاله وهو واقف إلى جانب وزير الخارجيّة الهنغاري المشبوه لتعويض مشهد صورة الرئيس سعد الحريري مع قداسة البابا فرنسيس، ذكّرتنا «غيرة» باسيل بنوبة غيرة اعترت رئيس تكتّل الإصلاح والتغيير قبل سنوات بعد حديث عرض متلفزاً لصحيفة إيطاليّة تحدّث فيه الحريري بطلاقة باللغة الإيطاليّة من قصره في بيت الوسط فخرج بعد اجتماع كتلته ليصرّح أنّه يتكلّم الفرنسيّة والإنكليزيّة وأنّه يمتلك شرفة جميلة يجلس عليها صباح كلّ يوم، نحن أمام دولة «منتنة» بنفسيّاتها السوداء الحقودة وهذا أمرٌ غير مسبوق في لبنان ربّما لأنّ الطبقة السياسيّة التي عرفها لبنان سابقاً هي أبناء بيوتات عريقة وأولاد أصول تربّوا على احترام أنفسهم قبل احترام الآخرين، حتى وصلنا إلى نموذج «بلا مربى» لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لأحد لا للدولة ولا للشعب ويملك من الحقارة مستوى غير مسبوق في تاريخ البلاد، ونظرة على مشهد القضاء ونموذج غادة عون الاستعراضي الرّدحي المدجّج بجيش مرافقين على الطريقة النازيّة وما أوصلت إليه القضاء ونموذج مدعي عام التمييز غسان عويدات القاضي ابن البيت القضائي الذي تربّى على مفهوم قدسيّة القضاء واحترامه وإجلاله، هي نظرة كافية لنفهم أنّنا أصبحنا أمام جيفة دولة ورائحتها تزكم أنوف دول العالم!!
نحن أمام نموذج دولة يجتمع مسؤولوها بعد اتهامها بعدم اتخاذ إجراءات عملية لوقف تزايد عمليات تهريب المخدرات عبر أراضيها ثمّ بمنتهى الصفاقة ومن دون حتى أن يقدّموا اعتذاراً للسعودية يطلبون منها أن تعيد النظر في قرارها منع دخول الخضار والفواكه المنتجة في البلاد بعد ضبطها أكثر من 5,3 ملايين حبة كبتاغون في شحنة الرّمان الشهيرة، وأنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال فيها بلغ من العجز أو الغباء لا نعلم -لأنّ المنظومة تمنع تشكيل حكومة لا تتحكّم بها وبتسمية وزرائها نواب جبران باسيل في وزاراتهم ـ أن يخاطب دولة تريد حماية أمنها ومواطنيها وهو يعلم أنّها مستهدفة بحرب إيرانية شرسة وعلى جميع المستويات فيخاطبها وبمنتهى الثّقة أنّه «على ثقة أنّ السعودية وكل دول الخليج يعرفون جيدا أن التوقف عن استيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقاً مختلفة»، فهل هناك مسؤولين أوقح من هذا المستوى!!
نحن أمام دولة ميتة جثّة تتحلّق حولها الدّول وتقلّبها لتتأكد علّ هذه الدّولة تحسّ شيئاً وتستيقظ من رقدة العدم، ولكن عبثاً تحاول هذه الدول، والمجنون فيهم من لا يزال يصرّ على المحاولة ويرسل وزيراً من هناك ومبعوثاً من هنالك، حتى هؤلاء لا يلقون أذناً طاغية، كلّ واحد من المسؤولين يروي لهم الرّواية نفسها التي يكذب بها على الشعب اللبناني، أمام هكذا دولة ميتة ومن أجل أن يبقى لبنان على قيد الحياة إدفنوها، إكرام الميّت دفنه، وهذه دولة بالكاد تستحق أن يكون الدّفن إكراماً لها.