IMLebanon

السعوديون بدأوا محاورة الأسد… ولبنان يترقّب

 

 

هناك صدمات سياسية متوقَّعة في الشرق الأوسط، وسيكون لبنان جزءاً منها: تحوُّلات محتملة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأخرى بين المملكة والرئيس السوري بشّار الأسد، وأخرى بين الولايات المتحدة وإيران، وأخرى يمكن أن تقع على المستوى الإسرائيلي. وفي هذا الخضم، لبنان على وشك أن يتلقّى صدمته الداخلية التي صنعها بنفسه لنفسه، أي الانهيار. ويعتقد البعض أنّ صدمته هذه ستكون مصيرية.

يقول العارفون، إنّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لن يأتي هذه المرّة إلى بيروت للدفع في اتجاه تأليف حكومة جديدة. فهو اختبر الواقع اللبناني بتفاصيله، ويعرف أكثر من سواه أنّ لا حلول داخلية ممكنة حالياً، وأنّ العقدة الحقيقية تتجاوز تأليف الحكومة. ولذلك، جمَّد الرئيس إيمانويل ماكرون حراكه المباشر في لبنان.

 

لودريان سيبلغ اللبنانيين أنّ أمورهم على وشك أن تفلت تماماً من أيديهم وتصبح في أيدي الآخرين بالكامل، وأنّ الزخم الفرنسي للمساعدة سيضعف أكثر، وستدخل على الخط معطيات جديدة تجعل اللبنانيين رهينة خيارات إقليمية ودولية على وشك التبلور. ويجزم العارفون، أنّ التحذيرات الفرنسية لن تلقى آذاناً صاغية في بيروت. ولذلك، الباب مفتوح في اتجاه واحد هو الانهيار. ويُخشى أن تكون هناك قوى داخلية وخارجية تريد الوصول قصداً إلى «الانهيار الكبير»، من أجل استثمار نتائجه سياسياً.

 

هذا الاستنتاج يتقاطع مع مناخات إقليمية يوليها بعض المصادر الديبلوماسية اهتماماً فائقاً، للاعتقاد أنّها ستقود إلى انقلابات في توازنات القوى. وهذه الانقلابات بدأت تتبلور منذ بداية العام الجاري، مع انتقال الإدارة الأميركية من دونالد ترامب إلى جو بايدن. وهي تشهد تسارعاً واضحاً في الأيام الأخيرة.

 

والأكثر تأثيراً على لبنان هو التطوُّر الحاصل في العلاقات العربية مع دمشق. ويعتقد محللون، أنّ مساعي التطبيع بين الجامعة العربية والأسد بلغت مراحل متقدّمة، بوساطة روسية ناشطة. وقد بلغ هذا التطوُّر ذروته بزيارة الوفد السعودي الرسمي للعاصمة السورية، قبل يومين.

 

وما تردَّد، نقلاً عن مصادر رفيعة في دمشق، هو أنّ الوفد الذي ترأسه رئيس المخابرات الفريق خالد الحميدان قد التقى الأسد، وأنّ الطرفين اتفقا على عودة السعوديين إلى دمشق، في زيارة ثانية مطوَّلة، بعد عيد الفطر، وعلى العمل لفتح سفارتهم هناك.

 

وكذلك، نُقِل عن المصادر، أنّ الرياض تؤيّد عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وحضورها القمة العربية في حال انعقادها في دورتها الحادية والثلاثين في الجزائر، برئاستها. مع الإشارة إلى أنّ ميثاق الجامعة ينص على عقد القمة في مقرِّها في القاهرة، إذا تعذّر انعقادها في البلد المضيف، لأي سبب كان.

 

وهذا الاتجاه السعودي في اتجاه دمشق، كان الإماراتيون سبّاقين إليه عندما فتحوا سفارتهم هناك، في العام 2018. وأما المصريون، فلم ينقطع تواصلهم مع دمشق على رغم الحرب المستمرة منذ العام 2011. ومعلوم أنّ الأسد على وشك انتخابات رئاسية، هذا الشهر، ستكرّس استمراره في السلطة لـ7 سنوات مقبلة.

 

ويمكن القول، إنّ بداية انفتاح السعوديين على الأسد جاءت انعكاساً للمحادثات التي يجرونها منذ منتصف نيسان الفائت مع الإيرانيين، في بغداد، وبوساطة عراقية. وعلى الأقل، أدّت هذه المحادثات إلى كسر الجليد بين الجانبين. وأجمعت القوى الثلاث المعنية على إبداء الارتياح والتفاؤل بحصول تقارب.

 

والحوار السعودي مع كل من طهران ودمشق يشكّل انعكاساً للتبدّل في المناخات بين الأميركيين والإيرانيين، منذ وصول بايدن، وانطلاق المحادثات في فيينا، حيث يَرشَح أنّ هناك تقدُّماً نحو الاتفاق على ترتيبات جديدة في الملف النووي، على رغم التعقيدات في ملفي الصواريخ البالستية ونفوذ إيران الإقليمي.

 

هذه التحوُّلات يترقبها لبنان بكثير من الحذر، لأنّها ستتكفّل بانتقاله من «ستاتيكو» سياسي إلى آخر. وعلى الأرجح، سيكون لبنان والعراق واليمن والملف الفلسطيني على طاولة النقاش بين القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك حوار السعوديين مع كل من طهران والأسد.

 

ويشير بعض المتابعين إلى تجارب سابقة، في ظروف معينة، أوصلت إلى صياغة تسويات إقليمية ودولية شملت لبنان أيضاً. وفي بعضها، استطاعت دمشق إجراء مقايضات سمحت لها ببسط نفوذها على لبنان.

 

لذلك، سيكون التحدّي الأكبر أن تتمكن القوى الإقليمية والدولية من مساعدة لبنان على تحقيق استقراره، من دون استعادة أي وصاية خارجية عليه، علماً أنّ سلوك قوى السلطة- المتعمَّد أو غير المتعمَّد- هو الذي يقدّم تبريراً لفرض الوصايات السياسية والاقتصادية والأمنية على لبنان.

 

عندما اندلعت انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، كانت المبادرة بالكامل في أيدي اللبنانيين. ولكن، عندما تنكَّرت قوى السلطة للانتفاضة ومتطلبات الإصلاح الدولية وشروط الحصول على مساعدات «سيدر» وتجاهلت خطط الإنقاذ، ضاعت المبادرة من اللبنانيين، وباتوا اليوم مستسلمين للخارج كي يقرِّر مصيرهم.

 

خسارة لبنان الكبرى ستتكرّس تحديداً إذا تعِب منه السعوديون والفرنسيون وفقدوا الأمل في إنقاذه. ففي هذه الحال، سيسحبون أيديهم عاجزين، ويتركونه لآخرين يتدبَّرون أمره. وهذا النموذج تمَّت تجربته مراراً. وهنا يعلّق أحد الديبلوماسيين بالقول: «يستطيع أصدقاء لبنان مساعدته إذا تعاون معهم، ولكن أحداً لا يستطيع إنقاذ الآخر رغماً عن إرادته».

 

فهل يدفع لبنان برأسه ليكون مادة مقايضة في البازارات الإقليمية والدولية، خصوصاً أنّه ينخرط في مفاوضات صعبة مع إسرائيل يصعب توقُّع نتائجها؟ وهل الانهيار الشامل المنتظر، أو «الارتطام الكبير»، سيكون الضربة القاضية التي ستبرِّر وضعه تحت الوصايات مجدداً؟