Site icon IMLebanon

يوما السعودية وسوريا في بيروت

  

 

فتح خطأ الوزير شربل وهبة الباب أمام حلفاء السعودية في لبنان لإظهار التموضع، وإن تحت خانة منفصلة عن خانة قوى 14 آذار. في المقابل، بدا المشهد السوري في لبنان مناسبة لتأكيد حلفاء سوريا تموضعهم الإقليمي. في الوقت عينه، لا يبذل أيّ منهما جهداً حقيقياً لإخراج البلد من الانهيار

 

يخبّر المتصرف أوهانس باشا في مذكراته عن مرحلة تسلمه مهامه متصرفاً على جبل لبنان بين 1913 و1916، عن تزلف الوجهاء اللبنانيين مع الضباط والمسؤولين الاتراك. ويروي رواية معبّرة عن البيروتيات اللواتي يتهافتن على جمال باشا في عز صعوده، في إحدى صالات لعب البوكر لمشاركته اللعب، بعضهن خوفا وبعضهن لتعزيز مراكز أزواجهن، واحدة منهن شنق زوجها لاحقاً، وأخرى تعزز وضع زوجها فأصبح مفضّلاً لديه.

 

هو المشهد نفسه الذي كان يحصل في عنجر أيام اللواءين غازي كنعان ورستم غزالي، ومع توافد الشخصيات اللبنانية الى دمشق، ويوم رفض النائب الراحل فوزي حبيش والد النائب الحالي هادي حبيش الدبكة مع الاستخبارات السورية. المشهد ذاته للرئيس رفيق الحريري عندما قدم مفتاح بيروت الى اللواء غازي كنعان، ويوم أمّت الوفود اللبنانية سوريا للتعزية بباسل الاسد، ويوم رشّ الأرز والورد على الجيش السوري عام 1976 ويوم احتفل أيضاً بدخول الجيش الاسرائيلي عام 1982. والدافع نفسه الذي يجعل القادة اللبنانيين يتسابقون الى السفارة الاميركية حين يحصلون على دعوة ولو الى غداء مع شخصيات ديبلوماسية من الصف الثاني أو الثالث، ومن ثم الى قصر الصنوبر، كما تحرد بكركي لأن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لم يزرها، فيما الكنيسة المارونية تقيم كل سنة بعد عيد الفصح قداساً على نيّة فرنسا. هم أنفسهم الذين يبايعون إيران سياسياً، (وليس دينياً) بما في ذلك التيار الوطني الحر ونائبة رئيسه الذي بايع الرئيس بشار الأسد من موسكو حين غرّد عن تثبيت ولايته، ودافع أمس «عن الناخبين المسالمين» بعد حملات سنوات لإعادتهم الى بلادهم. وكما كان يوم السعودية في لبنان، كان أمس يوم سوريا، فعادت الـ«سين – سين» لتخطف اللبنانيين في تموضع إقليمي، وكأن لا هموم اقتصادية ومالية، وتعيدهم الى انقساماتهم بين المؤيدين لسوريا والاقتراع للأسد وبين الداعين الى ضرورة إبعاد السوريين الذين ينتخبونه فيما هم مسجّلون على أنهم لاجئون.

 

المبالغة في استجداء الصفح السعودي أظهر قدراً كبيراً من التزلّف

 

 

فتحت السعودية أبوابها للبنانيين، بعد الاستقلال، كما فتحت القارة الاميركية أبوابها لهم قبل الاستقلال، وفرص العمل التي قدمتها لهم كبيرة جداً، بقدر ما انعكس ذلك رخاءً في المجتمعات التي كانت توفد أبناءها الى الخليج في عزّ نهضته. قدّمت الرياض ودول الخليج مساعدات كثيرة مالية واقتصادية، وأسهمت في مشاريع إعمارية وجسور وطرق، واستفاد منها القادة السياسيون مالياً، ما تجلى في الانتخابات النيابية منذ عام 2005 ومشاريع استثمرت فيها لتحسين صورة الأحزاب الحليفة، أو بالأحرى قادة الأحزاب والشخصيات الدائرة في فلكها. لكن ما جرى منذ الخطأ الذي ارتكبه وهبه في لحظة انفعالية، وعكس في مكان ما نظرة التيار الوطني ضد «الآخر» مهما كان شكله ولونه وعرقه وطائفته، كشف عن سلوكيات سياسية نافرة، لدى الجميع، وكأنها متجذرة في القادة اللبنانيين ووجهائهم منذ مئة عام حتى اليوم. فمن الطبيعي ديبلوماسياً أن تحصل معالجات رسمية لاحتواء الخطأ. ما لم يكن طبيعياً أداء القوى الحليفة للسعودية، إن عملياً عبر الحج الى خيمة السفارة السعودية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي واستخدام كلمات أين منها قصائد المديح في الشعر العربي القديم. وللتذكير، فقد سبق للنائب السابق مصطفى علوش أن وقع عام 2011 في خطأ مشابه حول أداء النظام السعودي وتعامله مع النساء، لكن ردود الفعل بقيت في إطار تيار المستقبل لمحاسبته، ولم تأخذ هذا المنحى الذي اتخذته الأمور في الساعات الاخيرة. ولم تكن ردود الفعل المعارضة مختلفة، ولا سيما من جانب التيار الوطني الحر وانقساماته الداخلية حيال وهبه الذي سلك مسار ديبلوماسياً لا شائبة فيه، وقدم تضحيات عديدة للتيار ولرئيس الجمهورية ميشال عون وجرى التخلي عنه في طرفة عين. والمبالغة في استجداء الصفح السعودي، أظهر قدراً كبيراً من التزلف، لأن التحالفات الحقيقية، الخالية من المصالح المادية، لا تحتاج كل فترة الى احتفاليات لإظهار مدى قوتها، ولا يفترض هذا المشهد حتى أن يلاقي ترحيباً من القيادة السعودية نفسها. فهذه الهرولة تعكس خلفيات تتعدى الخطأ بذاته، الى غايات أبعد من مجرد الاعتراف بدور السعودية. فالانتخابات على الأبواب، والضغط لإجرائها يحتاج أيضاً الى تكثيف حجم الحضور السياسي والمالي على الأرض، من أجل إعداد قاعدة يبنى عليها مستقبل المجلس النيابي. ما يتطلب دعماً بدأ أول تجلياته بالحملة التي جمعت حلفاء السعودية، ولكن كل منهم على حدة، ومن دون أن يكون تحت سقف إعادة تجميع قوى سياسية تحت عنوان واحد على غرار 14 آذار. لكن الجميع استفاد من خطأ وهبه للعودة الى الساحة على بساط سعودي، ليبني عليه البعض مستقبل حياته السياسية، فيما قدّم المشهد السوري في لبنان مناسبة مماثلة لإعادة التأكيد أن الحضور السوري وملحقاته لا يزال له أيضاً موطئ قدم في لبنان، باختلاف حجمه وتأثيراته. أما الأزمات الاقتصادية والمالية، فهذه تفاصيل لا تتوقف عندها القوى السياسية، التي لو قامت بحملة التضامن نفسها مع المودعين اللبنانيين، كما فعلت مع سوريا ومع السعودية، لكان أوهانس باشا على خطأ.