IMLebanon

كتاب مفتوح إلى سفير المملكة العربية السعودية في لبنان

 

 

سعادة السّفير،

تحية احترام وبعد،

لطالما وقفت المملكة العربيّة السعوديّة إلى جانب الشّعب اللبناني في كلّ المحطّات الحزينة التي مرّ بها وطننا الغالي. بلدكم قدّمت لنا  الكثير من المساعدات الإنسانيّة والإنمائيّة والعسكريّة والعلميّة. وساهمت بإعادة إعمار لبنان بعد اتّفاق الطّائف. ووضعت ودائع ماليّة في مصرفنا المركزي، لإنقاذ اقتصادنا من الإنهيار. فتحتم باب المملكة للّبنانيين على مختلف إنتماءاتهم ومناطقهم، ولم تميّزوا يوما بينهم. وحملتم قضيّتهم ومعاناتهم إلى كلّ المحافل. كنتم إلى جانب دول الخليج، الصّوت الصّارخ للدّفاع عن تراث وتاريخ هذا الوطن المميّز في هذا الشّرق.

ومثل كلّ عائلة، فإنّ بيننا أولادا عقوقين. لبنان شكركم وأثنى على مواقفكم الأخويّة والنّبيلة. لكن مدّعي «المقاومة»، الذين رفعوا كلّ شعارات العداء ضدّ إسرائيل، ذهبوا في الواقع والعمل، إلى إطلاق صواريخهم ومرتزقتهم لمحاربتكم أنتم. ووقف أخيرا وزير خارجيّتهم يرشح بما في داخلهم من كراهية لكم.

الإساءة إليكم وإلى أهل الخليج، هي أيضا إساءة إلى كلّ العرب. لكنّها إساءة أوّلا إلى تراث لبنان وتاريخه الدّبلوماسي الرّاقي العريق، ولمواقفه النّبيلة دفاعا عن الحقوق المشروعة لشعوبنا العربيّة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة، والتي جعلت من أرضه وشعبه، خزّانا ينزف من دمائهم الذكيّة منذ أكثر من خمسين سنة.

نرجو من الأخوة في المملكة وفي الخليج، وفي كلّ الدّول العربيّة، أن تأخذوا بالإعتبار أنّ اللّبناني هو ضحيّة. فلا تضاعفوا من آلامه. . لقد دفعنا طويلا، ومنذ أتّفاق القاهرة عام 1969، الأثمان الباهظة للحروب والنّزاعات المتعلّقة بهذه المنطقة. كنّا مسرح التجارب التي خاضها القادة الديكتاتوريّون العرب، ولا سيما نظام حافظ الأسد، الذي شرّع لبنان لكلّ أبواب حروبه، ورفض أن يطلق رصاصة واحدة من بلاده. هو الذي أفسح أمام المطامع الإقليميّة، ولاسيما مطامع إيران، وأيضا للحروب الكونيّة على أرض لبنان خلال الصّراع الإيديولوجي بين الشّرق والغرب، وما بعده.

اللّبناني ضحيّة منذ عام 1969. لبنان فقد سيادته واستقلاله منذ أن تحوّلت سوريا حافظ الأسد إلى قوّة تهيمن عليه، وعلى صناعة القرار فيه. لقد فرض الأسد سياسته وخدمه علينا، وحوّل وطننا إلى ساحة مفتوحة للصّراعات الإقليميّة والدوليّة، وفقا لمصالحه. هو وخليفته أقاما هذه الزمرة الفاسدة من أهل السلطة. أنتم تدركون أنّ ما قاله أرعن يمثّل شكلا، الدّبلوماسيّة اللبنانيّة، لا يعكس رأي الشعب اللبناني بل معلّمه ومعلم معلّمه الذي هو حزب إيران. أنتم تعلمون ما يجول في أعماقهم من نقمة على الذي أوصل هذا الأرعن وأمثاله إلى السّلطة.

حزب إيران في لبنان غير المرخّص، والمسمّى «حزب الله»، والذي فرض سطّوته علينا بقوّة سلاحه، زرع بين بيوتنا التي يسكنها الأطفال والنسّاء والشّيوخ، والتي أقمنا عليها المدارس والمستشفيات، والشّركات التجاريّة والمؤسّسات المهنيّة، الصّواريخ والمتفجّرات التي يمكن أن تولّد تفجيرات مماثلة لما حصل في مرفأ بيروت في 4 آب 2020. حصل كل ذلك بتغطية كاملة لأهل السّلطة. هذه أبشع الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان، فكيف يمكن للشّعوب الحضاريّة في العالم السّكوت عنها؟

شعبنا يريد العيش بسلام مثل كلّ الشّعوب الأخرى المحبّة للسّلام. نحن لا نريد أن نكون طرفا في الصّراعات الإقليميّة والدوليّة حولنا. فقط نريد حماية أمن وطننا مع احتفاظنا بحقّنا الطّبيعي في الدفاع المشروع عن النفس وعن حقوقنا المشروعة، وفقا للمادّة 51 من ميثاق الأمم المتّحدة.

لبنان لا يفيد أحدا أمنيّا بما في ذلك إيران، بل هو عبء عليهم، لكنّه يفيد البشرّية جمعاء بدوره الثّقافي المميّز. نريد أن نحفظ مستقبل أبنائنا وأحفادنا. نريد أن نعود مركزا للحوار الحضاري الدّائم بين كلّ المعتقدات والأديان والمذاهب والثّقافات. نريد أن نكون الجسر الثّقافي بين الشّرق والغرب. لطالما دافعتم عن هذا الدّور للبنان. هذا هو دورنا كشعب أكّد مع شعوب الدّول المحبّة للسّلام، في إعلان مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945، الالتزام والعمل معا، لدفع مبادئ وأهداف الأمم المتّحدة. نحن ساهمنا بوضع إعلان حقوق الإنسان عام 1948، كما ساهمنا معكم أيضا، بإنشاء جامعة الدول العربيّة، وساهمنا عام 1998 بإطلاق ميثاق المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. نريد أن يكون وطننا نموذجا لثقافة السّلام بين الشّعوب، ولدفع مبادئ حفظ الأمن والسّلم الدوليّين، والتّعاون من أجل رفاه الشّعوب وتقدّمها وازدهارها.

ولأننا أسرى سلاحهم،

ولأننا محكومون من سلطة هي صنيعتهم،

ومن موقعكم الرّائد في الدّفاع عن القضايا العربيّة العادلة،

نناشدكم كأحرار من لبنان، ومن كلّ الطّوائف والمناطق والشّرائح الإجتماعيّة، مساعدتنا بطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن بغية إنهاء محنة لبنان التي لا تخفى على أحد في العالم، واتّخاذ التّدابير لتنفيذ قراراته العديدة بهذا الصّدد، فيكون لبنان نموذجا للتّعاون الدّولي الذي يمكن للمجلس أن يحقّقه لبناء السّلم في العالم.

نطالب بقبول وضمان حياد لبنان عن الصّراعات بين الدّول الإقليميّة والدوليّة، واتّخاذ التّدابير العاجلة المناسبة في هذا الإطار، لإعادة فرض احترام اتّفاقيّة الهدنة بين لبنان وإسرائيل لعام 1949، ومنع أيّ اختراق لحدودنا الوطنيّة ضدّ إسرائيل، وكذلك حماية وطننا من أيّ اختراق إسرائيلي لحدودنا الوطنيّة. ونتطّلع إلى قيام لجنة خبراء دوليّين محايدين، ووفقا للآليّات القانونيّة الدّوليّة، بمساعدة لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهم البريّة والبحريّة، وفقا لاتّفاقيّة الهدنة. هذا واجب الأمم المتّحدة وفقا للمادّة 40 من الفصل السّابع من الميثاق التي استندت إليها إتّفاقيّة الهدنة، وكذلك في إطار دورها لتسوية النّزاعات بين الدول والتمسّك بالقانون الدولي. وثمّة سابقة النزاع على طابا التي لجأ المصريّون والإسرائيليّون لتسويته في حينه، بواسطة الآليّات القانونيّة الدّوليّة.

كما نطالب باستكمال تنفيذ القرار 1701 لعام 2006، لجهة استكمال تسوية النزاع المتعلّق بمزارع شبعا، من خلال إقامة ترسيم دقيق برعاية الأمم المتّحدة، للحدود اللبنانيّة السوريّة البريّة. وكذلك لجهة التّطبيق الكامل لبنود القرارين 1559 و1680، بما يضمن بسط سلطة الدّولة على كامل تراب لبنان الوطني، وكامل حدوده الدوليّة. وأيضا لجهة مساعدة لبنان على التّطبيق الكامل لاتّفاق الطّائف.

سعادة السفير،

هذا لن يتحقّق من دون تحويل قوّة الطّوارئ في جنوب لبنان إلى قوّة ردع دوليّة. السّلام في لبنان، لن يعود إلا بالتدخّل الأمميّ الحاسم والحازم. ولذلك نرجوكم سماع صوت اللّبنانيّين الذين يناشدون الأمم المتّحدة للتدخّل. لقد هدّد حزب إيران بالويل والثّبور إذا تجرأنا على طلب مثل ذلك. السّلطة لن تفعل أصلا. القطاع الأهلي يريد أن يفعل ذلك. هو ليس خائفا من تهديدات حزب إيران. فهذا الحزب لن يجرؤ على استخدام قمصانه السود أو سلاحه في الداخل مجددا. لن نكون نزهة كما السابع من ايار 2008. الشعب قرّر أنم يعيش او أن يموت واقفا، لكنّه ضعيف ومرتبك. طالب سيّد بكركي ورجال الدّين الأحرار بمؤتمر دولي خاصّ بلبنان برعاية الأمم المتّحدة. أنتم تعلمون بمواقفهم الذي هو الآن نبض الشّارع. نرجوكم طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن وللجّمعية العامّة للاستماع إلى صوت اللّبنانيين من خلالهم. ديباجة الأمم المتّحدة تخوّلكم ذلك، فهي تقول «نحن شعوب العالم قرّرنا إنشاء الأمم المتّحدة».

نذكر باحترام مواقفكم التاريخيّة في المناقشات الي أجراها مجلس الأمن في أيلول 2013، بعد استخدام نظام بشّار الأسد للأسلحة الكيميائيّة في حربه ضدّ شعبه. كان لكم موقفا لا ينتسى في ذاكرة الشّعوب الحرّة، عندما رفضتم في تشرين الأوّل من ذلك العام، قبول العضويّة في مجلس الأمن إحتجاجا على فشله في اتّخاذ قرارات حازمة ضد أسلحة الدّمار الشّامل سواء في سوريا أو إسرائيل. كانت الحالة هناك معقّدة كثيرا، أمّا حالة لبنان فتشهد توافقا دوليّا على ضرورة إنهاء محنته.

بكل مودّة.

* مؤسّس ملتقى العدالة من أجل لبنان وشعبه، معاً من أجل إنقاذ لبنان.