Site icon IMLebanon

السعودية والموارنة تاريخ ومستقبل

 

شاءت الصدفة ان يأتي الاحتفال بمئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية قريباً من احتفال لبنان بمئوية قيام كيانه الحالي. كما شاءت الصدفة ان يأتي الاحتفال فيما تراكمت على أرض لبنان التجارب الفاشلة والآثار المدمّرة لسياسات هوجاء، ومعها مشاعر الإحباط والخسارة والخوف من المستقبل. وحين يغرق لبنان في أزمة تهدد توازنه وكيانه ومعنى وجوده، لا يمكنه الا الاستعانة بالرحابة التي طبعت علاقة السعودية بشعبه عامة والموارنة خاصة.

 

ليس للموارنة من ذكريات مع السعودية الا ذكريات المودة وإصرار هذه الشقيقة العربية على اعطاء علاقاتها مع لبنان ومكوناته عمق العروبة الصافية والإسلام المتسامح.

 

ولا مبالغة في القول إن ملوك السعودية أفردوا للبنان دائماً موقعاً خاصاً في اهتماماتهم انطلاقاً من ادراكهم العميق لخصوصية هذا البلد. وحتى حين اندفع اللبنانيون على اختلاف مواقعهم في الحرب ولغة الثأر او الطلاق، كانت القيادة السعودية تحضّهم على العودة الى لغة الجسور وتبادل التنازلات للعيش تحت سقف دولة تتسع للجميع. كانت هذه ثوابت السعودية قبل رعايتها اتفاق الطائف وبعد رعايته.

 

ولعل ما ثبَّت علاقة بكركي بالقيادة السعودية هو ان المملكة لم تحاول يوماً تحويل لبنان الى ساحة تستخدمها ضد خصومها، لا بل انها بذلت جهوداً غير عادية للتخفيف من غلواء من كانوا يصرون على الإمساك بقرار لبنان واستتباعه وتحويله ورقة تخدم مصالحهم وأطماعهم.

 

فتحت السعودية أرضها امام اللبنانيين فعملوا وساهموا وتحولوا في الوقت نفسه رصيداً لبلادهم. وللملك سلمان بن عبد العزيز كما لأسلافه مودَّات في لبنان مع الناس والأماكن. ولم تبخل السعودية بمشاعر الدعم والتضامن على كل صعيد كلما تعرّض لبنان لزلزال داهمه من الخارج او الداخل.

 

لا يغيّر من منسوب الود حيال لبنان وقوع أبرز المواقع فيه في يد من أعمتهم السلطة عن قراءة التواريخ ومعانيها والعلاقات الراسخة وثوابتها. وعتب المملكة ينطلق دائماً من حرصها على ألا يضيّع لبنان موقعه واستقراره وخبز مواطنيه في مغامرات كالتي قادته الى ما يعيشه حالياً. والسعودية التي تعاملت دائماً مع لبنان والموارنة بمنطق الأخوة والتعاضد تقدم اليوم ايضاً مصدر إلهام للأجيال الجديدة، عبر التجربة النهضوية والتنويرية التي يقودها ولي العهد الامير محمد بن سلمان.

 

في مئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والسعودية يثق اللبنانيون على اختلاف مشاربهم في ان السعودية لا يمكن إلا ان تكون قوة دافعة لإخراج لبنان من ركام الكيديات والسياسات المتّسمة بقصر النظر. هكذا كان تاريخ هذه العلاقة وهكذا سيكون مستقبلها.