IMLebanon

السعوديّة تغيّب دور الأجهزة اللبنانيّة في ضبط شحنات الكبتاغون إلى أراضيها: حصار الرياض للبنانيّين مستمرّ… بذرائع كاذبة

 

 

كل شحنات «الكبتاغون» التي أعلنت السلطات السعودية ضبطها منذ بداية العام الجاري، وقالت إنها آتية من لبنان، إنما تمكّنت من اكتشافها بناءً على معلومات زوّدتها بها الأجهزة الأمنية اللبنانية، وخاصة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للجمارك. حتى شحنة الكبتاغون التي أوقِفت في ماليزيا، وتلك التي ضُبِطت في نيجيريا، وكانتا متجهتين إلى أرض الجزيرة العربية، فقد جرى العثور عليهما بناءً على معلومات الأجهزة اللبنانية. السعودية التي شكرت ماليزيا ونيجيريا، تعمّدت عدم شكر لبنان. وعدا عن ذلك، فإنها قررت، قصداً، إخفاء أي دور للأجهزة اللبنانية، رغم الاتفاق بين الطرفين على وجوب إعلان التنسيق بينهما. لم تكتفِ الرياض بذلك. فرغم أن ما قام به لبنان يدخل في إطار مساعدة السعودية على حماية أراضيها من دخول كميات هائلة من المخدرات الآتية من دولة ثالثة (في معظم الأحيان، سوريا)، قرّر آل سعود استخدام مساعدة لبنان لهم لمعاقبته! ما جرى في قضايا الكبتاغون هو الدليل الأكثر سطوعاً على أن قرار السعودية وقف استيراد البضائع الآتية من بيروت هو قرار سياسي هدفه تضييق الخناق على لبنان

 

 

أوقفت استخبارات الجيش، قبل أسابيع، أحد أبرز تجّار الكبتاغون في لبنان، حسن محمود جعفر، أحد المتورّطين في عملية تهريب الكبتاغون التي أوقف بسببها، عام 2015، الأمير السعودي عبد المحسن آل سعود الذي اشتُهر بـ«أمير الكبتاغون». حسن جعفر كان التاجر الذي باع الحبوب المخدرة لصاحب السموّ الملكي. جعفر هذا مطلوب للقضاء بموجب عشرين مذكرة عدلية ويملك معملاً لتصنيع الكبتاغون في البقاع، ويأتي ثانياً بعد حسن دقّو، الذي أوقف قبل أشهر لتورطه في أكبر عملية تهريب حبوب كبتاغون إلى المملكة السعودية عبر ماليزيا، حيث ضُبطت (في آذار الماضي) نحو 94 مليون حبة كبتاغون (لو بيعت تلك الكمية في السعودية، فإنها كانت ستُحقق لدقو أرباحاً قيمتها أكثر من مليار دولار أميركي). يومها أوقف فرع المعلومات دقّو ليجد في أحد هواتفه صورة عن بوليصة الشحن لشُحنة المخدرات التي ضُبِطت في ماليزيا، فبعث فرع المعلومات بهذا الدليل إلى الأجهزة الأمنية السعودية. بعد ذلك، أتت عملية «إحباط» تهريب كميات كبيرة من الكبتاغون، كانت مخبّأة في حبوب الرمان في نيسان الفائت، وهي الحادثة التي تذرّعت بها مملكة آل سعود لإصدار قرار بمنع دخول شحنات الخضر والفواكه إلى أراضيها ومنعها من العبور حتى من خلال أراضيها. استغلت السعودية هذه الحادثة لتُعلن حصارها للبنان، من دون أن تتخذ الإجراء نفسه بحق دول أخرى، كتركيا والأردن على سبيل المثال لا الحصر، رغم أن عمليات التهريب إلى داخل أراضيها تحصل أحياناً منهما، علماً بأنهما من الدول التي تنشط فيها صناعة الكبتاغون أيضاً.

المسؤولون السعوديون تعمّدوا الكذب على الرأي العام، وإخفاء حقيقة أنّ معظم شحنات الكبتاغون التي ضبطها الأمن السعودي كانت بناءً على معلومات زوّدتهم بها الأجهزة الأمنية اللبنانية. فكشف شحنة الرمان أتى بعد قيام فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتزويد الأمن السعودي باسمَي شركتين ستعمدان إلى تهريب المخدرات إلى أراضي المملكة. وقد كانت الشركة التي أدخلت شحنة الرمّان إحدى هاتين الشركتين اللتين اكتشف الأمن اللبناني تورطهما بناءً على عمليات رصد وتعقّب سابقة. وعوضاً عن خروج السعودية لشكر الجانب اللبناني على تعاونه في إحباط عمليات تهريب الحبوب المخدرة إلى أراضيها، أخفت هذه الحقيقة بكل جحود لتستثمر نصف الحقيقة في توظيف سياسي لزيادة الحصار على لبنان. وعمدت السعودية إلى استخدام منصاتها الإعلامية في ادعاء وجود ارتباط بين المتورطين في العملية وحزب الله أو الزعم بوجود ضغوط تُمارس من قبله لإطلاق سراحهم، مع أنّ أياً من التحقيقات التي يُجريها فرع المعلومات المقرب جداً من الاستخبارات السعودية أو غيره من الأجهزة الأمنية اللبنانية لم يُثبت شيئاً من مزاعم الرياض.

الجحود السعودي قابله خضوع لبنان. فقد عمد المسؤولون في بيروت إلى إظهار الجهد الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في مكافحة المخدرات. وحرص وزير الداخلية العميد محمد فهمي على الكشف على الجهود المبذولة عبر أكثر من مؤتمر صحافي للإعلان عن إحباط عدد كبير من عمليات التهريب.

 

تعمّد فهمي، في حزيران الماضي، الإعلان عن التنسيق الأمني بين لبنان والسعودية في مجال مكافحة المخدرات

 

 

غير أنّ كذب حكام السعودية لم يتوقف. قبل أيام، خرج المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية السعودية العقيد طلال الشلهوب ليُعلن عن إحباط الأمن السعودي، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية النيجيرية، عملية تهريب نحو 452 ألف قرص من الأمفيتامين الذي يُستخدم في تصنيع الكبتاغون عبر نيجيريا إلى أراضي المملكة. وزعمت الداخلية السعودية أنّ شبكة مرتبطة بحزب الله تقف خلف عملية التهريب هذه من دون أن تُقدم أي دليل، قبل أن تشكر نظيرتها النيجيرية على تعاونها.

الحقيقة أن الفضل في إحباط هذه العملية أيضاً يعود إلى المديرية العامة للجمارك اللبنانية التي أبلغت السلطات النيجيرية باشتباهها، بناءً على معلومات أمنية، بأنّ شحنة مؤلفة من معدات ميكانيكية غادرت مرفأ بيروت يُشتبه في أنها تحوي مخدرات. وطلبت الجمارك اللبنانية بواسطة كتاب مرسل إلى السلطات النيجيرية تفتيش الشحنة المشتبه فيها. وهكذا تمكن الأمن النيجيري من ضبط عملية التهريب وأبلغ وزارة الداخلية السعودية. إعلان هذه الحقيقة لن يخدم سياسة حكام السعودية الذين اعتادوا أن لا يشكروا الأمن اللبناني الذي ينظرون إليه على أنه يعمل في خدمتهم، لكنهم وجدوا أنفسهم ملزمين بشكر السلطات النيجيرية. كذلك فإنّ الأمن السعودي، وفي سياق البروباغندا التي يخوضها لتشويه سمعة حزب الله، لن يروق له أن لا علاقة للحزب بهذه العملية لا من قريب ولا من بعيد، وذلك موثّق تبعاً لتحقيقات الجهاز الأمني الذي زوّد السلطات النيجيرية بالمعلومة التي ساهمت في كشف عملية التهريب.

اتصلت «الأخبار» بوزير الداخلية السابق محمد فهمي، الذي قال إنه كُلف (قبل تأليف الحكومة الجديدة) ملف إنعاش العلاقات اللبنانية ــــ السعودية لإعادة فتح الباب أمام التصدير للمنتجات اللبنانية إلى الأسواق الخليجية، مشيراً إلى أنه حرص على الإعلان عن هذه الإنجازات. على سبيل المثال، أشاد فهمي في 27 حزيران الفائت، بالتنسيق بين قوى الأمن الداخلي اللبنانية والقوى الأمنية السعودية الذي أدى في جهد مشترك إلى ضبط عملية تهريب مخدّر كبتاغون قُدّرت كميته بـ 14 مليوناً و400 ألف قرص في ميناء جدة، والقادمة من مرفأ اللاذقية عبر مرفأ بيروت بشهادة منشأ يونانية مزورة. وفي بيانه، نوّه فهمي بالمتابعة الجادّة والحرفية العالية والتعاون المميز بين القوى الأمنية اللبنانية والسعودية التي أدت إلى كشف هذه العملية بعد تنسيق أمني استباقي عالٍ. يومها أُبلغ فهمي عبر إحدى وسائل الإعلام بأن السعودية لم تُعلن عن التنسيق بينها وبين الأمن اللبناني، وهو ما أدى إلى ضبط المخدرات، فأجاب بأنّه يملك معلومة مؤكدة عما حصل ولذلك أعلنه، متحدثاً عن جهد غير مسبوق للأجهزة الأمنية اللبنانية التي حققت إنجازات استثنائية على صعيد مكافحة تصنيع حبوب الكبتاغون والاتجار بها. وعلمت «الأخبار» أن اتفاقاً عُقِد بين فرع المعلومات والأمن السعودي، يقضي بأن يعلن الأخير عن دور الجهاز اللبناني في الكشف عن حبوب الكبتاغون، لكن الجانب السعودي أخلّ بالاتفاق، وهو ما دفع بفهمي إلى إعلان الأمر.

إذاً، معظم شحنات الكبتاغون التي تُعلن السعودية أنها ضبطتها، آتية من لبنان، إنما تُكشف بناءً على معلومات صادرة عن الأجهزة الأمنية اللبنانية. لكن السعودية لا تكتفي بعدم شكر لبنان، ولا بعدم الإعلان عن الدور المحوري للأجهزة اللبنانية في حمايتها من شحنات المخدرات، بل تلجأ إلى معاقبة البلد الذي يحميها من مخدرات معظمها يكون آتياً من دولة ثالثة. حتى شحنة الكبتاغون التي ضُبطَت في ماليزيا (94 مليون قرص كبتاغون) متجهة إلى السعودية، والتي قيل حينها إن الرياض زوّدت كوالالمبور بمعلومات أدت إلى كشفها، تبيّن أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني كان هو المصدر الأول والوحيد للمعطيات التي بعثت بها السعودية إلى ماليزيا للعثور عليها!