IMLebanon

هكذا تفتح الطريق الى الرياض..

 

 

اياً كانت النتائج المتوقعة من اللقاء الأول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فإنّ جانباً مهمّاً مما هو مطلوب لبلوغ مرحلة التعافي والإنقاذ يستدعي الوصول الى ترميم العلاقة مع الرياض، باعتبارها البوابة الإجبارية الى خزائن الدول الخليجية لتوفير مقومات النهوض الإقتصادي، فمن دونها تطول مسيرة التعثر. وعليه، ما هي الأسباب التي تحول دون هذه الخطوة؟

 

لا يتنكّر أيٌ من المراقبين السياسيين والديبلوماسيين لأهمية ما انتهى اليه لقاء الاليزيه بين ماكرون وميقاتي، ليس لأنّه من أولى إطلالات رئيس الحكومة على العالم الخارجي فحسب، بل من أجل احتساب حجم الرعاية الدولية التي يمكن ان يحظى بها لبنان، في ظلّ ما تركته مجموعة الأزمات التي يعانيها من تداعيات خطيرة تجاوزت السقوف المتوقعة.

ولذلك، فالجميع ينتظر مزيداً من التفاصيل الدقيقة لمعرفة حجم الضمانات والتطمينات التي أعطاها ماكرون، ومعها التعهدات التي قطعها ميقاتي لتوفير ما يسمح بالتقييم الدقيق للقاء، لينال حقه من تقدير ما أنجزه قياساً على الرهانات التي عُقدت عليه، وخصوصاً انّ الجانب الفرنسي كان من أبرز القوى الدولية التي رعت التفاهمات الاخيرة التي ساقت الى تشكيل الحكومة، بعد 13 شهراً من التعثر واستهلاك مكلّفين إثنين قبل ان ينجز المكلّف الثالث مهمّته.

 

ومردّ هذا الاهتمام يعود الى ما بلغته الأزمات المتناسلة من قطاع الى آخر في لبنان، الى ان عمّت مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها باستثناء العسكرية والأمنية منها، والتي حظيت بدعم دولي وإقليمي غير مسبوق. وقد زاد من خطورتها ما عبّرت عنه السلطات اللبنانية والمتربعون في مواقع المسؤولية، من فشل في مواجهة آثار اي منها، إلى درجة أثارت الرأي العام الدولي على نحو تحوّلت فيه معاناة اللبنانيين نموذجاً عالمياً جديداً لم تعرفه أي دولة في العالم، بعدما تجاوزت مظاهره التي ضُرب بها المثل عند تعداد الدول الفاشلة والمارقة.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات التي أجمعت عليها قراءات عدة، توجّهت الأنظار الى المرحلة التي تلت زيارة ميقاتي لباريس، من دون تجاهل أهمية زيارته للندن واللقاء الذي جمعه بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا جيمس كليفرلي، فهو وأسلافه هم ممن كُلّفوا مهمات بالغة الدقة في بيروت أكثر من مرة. وقد تحوّلت زياراتهم الدورية لمعاينة حاجات لبنان، آلية عمل قادت الى كثير من برامج الدعم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الاخرى، وهو ما شكّل قناة تواصل تحاكي الأزمة اللبنانية بمختلف مراحلها. هذا عدا عن المشاريع التي قادت الى بناء علاقات اقتصادية وتجارية بين الدولتين، ولا بدّ من إحياء التواصل بينهما من هذه القناة، والبحث في إمكان تطويرها على اكثر من مستوى، انطلاقاً من الدور البريطاني في دعم لبنان ومساندته، ومواكبته خطة النهوض الاقتصادي التي تعمل عليها الحكومة.

 

وعليه، فإنّ المراقبين يتوجّهون الى رصد المراحل اللاحقة التي يمكن ان تساعد فرنسا في إحيائها، وخصوصاً على مستوى العلاقات التي كانت قائمة بين لبنان والدول العربية، ولا سيما منها دول الخليج انطلاقاً من البوابة السعودية التي تحوّلت معبراً الزامياً الى بقية عواصم دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً بعد المصالحة التي حققتها «قمة العلا» قبل فترة بين قطر وجاراتها الاربع، والتي أنهت الحصار الذي كان يطوقها، وصولاً الى اللقاء الذي عُقد على البحر الأحمر قبل ايام بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ومستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، والذي يُقال انّه رسم خريطة طريق جديدة للتعاون بين هذه الدول وجيرانها، يتجاوز ما حصل من إشكالات سابقة تسببت بها حرب اليمن والعلاقات مع ايران وتركيا، وغيرها من العناوين الخلافية التي طُويت.

 

ولا يخفي المراقبون والديبلوماسيون هذه الحقائق عند الحديث عن تجاهل عواصم الخليج العربي ولادة الحكومة الجديدة. فعلى وقع توجّه السفير السعودي الى بلاده بعد ساعات على تشكيل الحكومة العتيدة، لم يزر اي سفير من دول الخليج السرايا الحكومية سوى عميد السلك الديبلوماسي العربي السفير الكويتي، الذي وجّه دعوة لميقاتي لزيارة الكويت وسيلبيها في أول فرصة. كذلك زاره السفير القطري، من دون الحديث عن اي دعوة، رغم الأجواء التي تحدثت عن تمايز قطري، فبقي دون اي إثبات لا بل هناك من وضع قطر وجاراتها في سلة واحدة، تنتظر كما الرياض وأبو ظبي، خطوات الحكومة لتحكم عليها، على قاعدة تستند الى ملاحظات المملكة التي تحدثت بطريقة ديبلوماسية غير مباشرة عن امتحان ستخضع له الحكومة العتيدة قبل ان يُصار الى إعادة النظر في حجم الإهمال السعودي للملف اللبناني، الذي لم يعد وارداً ان يشكّل اي حدث فيه مهما كان حجمه، يستدعي تسجيل موقف او اصدار بيان، ملكياً كان أم أميرياً، او على مستوى وزاري، وهو ما رصدته المراجع كافة، من دون ان يثير الريبة والاستغراب.

 

عند هذه القواعد ينبغي على من يريد استكشاف العلاقة المستقبلية بين الرياض وبيروت ان يتوقف عند ما نُقل عن أكثر من مرجع ديبلوماسي يواكب العلاقة بين البلدين، انّ ابسط الشروط المطلوبة عودة لبنان الرسمي الى ما كانت عليه سياساته قبل الرابع من تشرين الثاني 2017، تاريخ استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض، وإحياء التزامات لبنان التي تضمنها بيان عودة الحريري عن استقالته من على باب قصر بعبدا في مطلع كانون الأول من ذلك العام، والذي تعهّد فيه بإسم الحكومة اللبنانية بالعودة الى سياسة النأي بالنفس، وهو ما يشهد عليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي طبخ ذلك المخرج والتزم به الرئيس ميشال عون وكفله عدد من زعماء العالم من الذين كانوا على تماس مع ما ادّى الى إطلاق سراح الحريري من الرياض وعودته الى الحكم عبر باريس. وهو ما طرح السؤال: هل في قدرة ميقاتي في ظلّ موازين القوى الداخلية العودة الى تلك السياسات؟

 

ولذلك، قيل انّ هذا التوجّه يبقى الطريق الأقصر وربما الوحيد الذي يفتح أمام الحكومة الجديدة ابواب الرياض، ومن دونها ستبقى كل الطرق مقطوعة اليها وربما الى نظيراتها الخليجية، خارج ما هو إنساني واجتماعي، ليس في وجه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري فحسب إنما في وجه آخرين. ومهما سال من حبر يناهض هذه النظرية، فإنّ على من لم يقتنع بهذا الحل – المخرج ان يثبت العكس، فيقدّم عرضاً واحداً عن اسباب أخرى قطعت الطريق بين بيروت والرياض وجاراتها.