وفق الإحصاءات الأخيرة فإن عدد المقيمين اللبنانيين في السعودية بلغ نحو 60 ألف لبناني، ويضاف إليهم حاملو الجوازات الأجنبية وزوّار التأشيرات، لنتحدث عن نحو 70 ألف لبناني يعتبرون أن السعودية مصدر رزقهم. وعند كل خطاب للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، يتمنى هؤلاء في سرّهم ألا يتم شتم السعودية وقيادييها، لكن تمنياتهم دائماً لا تتناسب مع الأجندة الإيرانية التي تحدد مضمون خطاب “حزب الله”. في المقابل تلقى تمنياتهم آذاناً صاغية في المملكة، فعلى الرغم من بلوغ حجم الهجوم على السعودية من “حزب الله” ذروته، وعلى الرغم من التدخل المباشر لـ “الحزب” ممثلاً إيران في استهداف الأراضي السعودية، سواء عبر تدريب الحوثيين أو تأمين الأسلحة لهم، فإن المملكة نجحت في معادلتها القائمة على فصل الشعب اللبناني عن تصرفات “حزب الله”، ولم تصدر أي قرار يحرم اللبنانيين من أرزاقهم، لكن ماذا عن العلاقة بين لبنان والسعودية، خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين الأول وتشكيل حكومة من لون واحد، يقود “حزب الله” وحلفاؤه قرارها السياسي؟
ثلاث رسائل سعودية تلقفها اللبنانيون في الأيام الأخيرة، من الممكن أن تشكل مثلث سيوف واضحاً للموقف السعودي:
الأول: موقع لبنان بين السعودية وإيران
برز في تصريحات نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة “العربية”، كلام وضع فيه الإصبع على الجرح اللبناني اقليمياً، مقارناً بين السياستين الإيرانية والسعودية تجاه لبنان بقوله: “دعمت السعودية في التاريخ القريب لبنان بما يزيد عن 5 مليارات دولار، وفي مؤتمر باريس لدعم لبنان تبرّعت بـ 2 مليار دولار، ويبلغ التبادل التجاري للسعودية مع لبنان 626 مليون دولار، وكان يشكل السياح السعوديون أكثر من 20% من السياح في لبنان”، أضاف: “نرسل السياح إلى لبنان، وإيران ترسل الإرهابيين، نرسل رجال الأعمال، وإيران ترسل المستشارين العسكريين، نبني الفنادق وقطاع السياحة ونخلق فرص العمل، وإيران تخلق الإرهاب، نريد للبنان أن يكون بلدًا أفضل وأقوى… ومزدهرًا، وإيران تريد من لبنان أن يخوض حرباً نيابة عنها وتريد منه أن يقوم بمشاريع طهران التوسعية”. أما بشأن العلاقة مع الرئيس سعد الحريري فحسمها الأمير خالد: “سعد الحريري ووالده كانا حليفين للسعودية، وهما حليفان للسعودية بالفعل، وسيستمران كحليفين للسعودية”.
الثاني: هوية المعطل المحلي
الموقف الثاني من وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير في دافوس في مقابلة مع “سي ان بي سي”، حدد مكان الوجع محلياً، فلدى سؤاله: “هل لدى السعودية استعداد لمساعدة اللبنانيين على الخروج من الكارثة المالية والاقتصادية؟ وهو سؤال يطرحه كل لبناني، يجيب الجبير: “كانت السعودية أحد أكبر الداعمين للبنان خلال العقد المنصرم. يحتاج اللبنانيون إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية جادة للمضي قدما واعتقد أن هذا ما حاول رئيس الحكومة السابق سعد الحريري فعله لكن تم منعه في كل منعطف من حزب الله وحلفائه”.
الثالث: حكومة دياب
وتكتمل سيوف الموقف الثلاثة، بتغريدة من شخصية بالغة الأهمية في الرياض. الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز ابن عم ولي العهد محمد بن سلمان. وكأنها تعطي النتيجة: “حكومة دياب هي حكومة مُقنَّعة لسياسات “حزب الله” وحلفائه، ويصح تسميتها “حكومة الخلايا النائمة”، وبناءً على ذلك فمن الطبيعي والمتوقع أن تعيد الدول النظر بما التزمت به ضمن مجموعة الدعم الدولية لـ لبنان..(سيدر)”.
هذه الرسائل، تتطلب بشكل واضح أن تثبت الحكومة أنها ليست حكومة “حزب الله”، أن تلبي مطالب اللبنانيين، وأن تقوم بالاصلاحات المطلوبة. وسبق الرسائل الثلاث ملاحظتان: لم يزر السفير السعودي وليد بخاري الرئيس المكلف حسان دياب. ولم تصدر المملكة أي بيان يرحب بتكليف دياب ولا بتشكيل حكومته… واللبيب من الاشارة يفهم!