إلى الآن، لا مؤشرات رسمية أو جدية تشي بإمكانية أن تحطّ طائرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الخاصة في المملكة السعودية خلال الساعات القليلة المقبلة. أقله، هذا ما يؤكده المحيطون برئيس الحكومة الذين يشيرون إلى أنّه لم يتبلغ أي دعوة رسمية أو إشارات جدية من الديوان الملكي، حول لقاء قريب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرين إلى أنّ الاتصال الذي حصل في حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لم يتطرق أبداً إلى هذا الاحتمال، ولو أنّه موجود وقائم طالما أنّ السعوديين قرروا فتح كوة في جدار العلاقة والعمل من جديد على تصحيحها.
ويرى المواكبون للعلاقة اللبنانية – السعودية أنّ الكلام عن دعوة قد توجّه لرئيس الحكومة إلى السعودية، يحتاج إلى الكثير من التدقيق، كون هذه الزيارة قد تكون سيفاً ذا حدين، بالنسبة لرئيس الحكومة قبل غيره، بعدما سرت في الساعات الأخيرة، أخبار عن امكانية حصول هذا الخرق في جدار العلاقة، بعد الخرق الهاتفي والذي تولاه الرئيس الفرنسي، لتكون أولى خطوات الانتقال بالعلاقة من مربّع الخصومة الشديدة، إلى مربع اختبار النوايا… والسلوك.
اذ إنّ جلوس ميقاتي في الديوان الملكي لن يكون نزهة مريحة، لا بل قد تكون له أكلاف سياسية باهظة لأنّ أبسط التوقعات تشي بأنّ الاجتماع مع ولي العهد قد ينتهي الى بيان مشترك، قد لن يكون أقلّ حدة أو مطالب من سلسلة البيانات المشتركة التي صدرت في جولة ولي العهد الخليجية… ولو أنّ باريس طمأنت رئيس الحكومة اللبناني الى أنّ مبادرتها ستوقف الضغط الخليجي للانطلاق في مسيرة البحث عن معالجة للملف اللبناني.
إذ ثمّن ميقاتي جولة ولي العهد السعودي الخليجية، وعبّر عن تقديره “للتأكيد الثابت خلال الجولة على دعم لبنان واللبنانيين، وأن يكون منطلقاً لخير الدول العربية”، لكن ميقاتي تجاهل في تغريدته كل المطالب والشروط “الضمنية” التي تضمّنتها مواقف ولي العهد خلال جولته الاستثنائية، والتي طالت لبنان، “وحزب الله” بشكل خاص.
وفي جردة لتلك المواقف يتبيّن أنّه في كل محطات جولة ولي العهد، فقد تردد موقف موحد في ما خصّ الملف اللبناني، ولو تنوعت العبارات وتبدلت الجمل. فقد أكدت البيانات المشتركة الصادرة عن الجانبين، الضيف والمضيف “ضرورة إجراء إصلاحات شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وفق ما جاء في قراري مجلس الأمن رقم 1559 و 1701”. كذلك، شدّدا على “ألّا يكون لبنان مُنطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم”.
وهذا يعني فعلياً، أنه لا ترجمة “انقلابية” للمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي خلال زيارته السعودية، ولا امكانية لتحويلها إلى مسعى جدي في تحسين العلاقات اللبنانية – السعودية من دون المرور بخريطة الطريق التي أعلن عنها ولي العهد السعودي في جولته الخليجية، والتي تعبّر عن سلسلة شروط تفرضها المملكة قبل أن تستعيد العلاقات اللبنانية – السعودية عافيتها. ما يعني أنّ المبادرة الفرنسية ليست سوى مدخل لتصحيح المسار، وقد يعاد اقفال هذا المدخل اذا لم يتمّ الالتزام بما تريده المملكة…
ومع ذلك، ثمة وجهة نظر مختلفة، ترى أنّ المنطقة برمّتها تشهد انقلاباً في مقاربات الدول الأساسية ربطاً بالسياسة الأميركية الاستراتيجية والتي ستتبلور في جزء منها في فيينا، من خلال اتفاق يتوقع أن يحصل عاجلاً أم آجلاً مع ايران، ومن شأن هذا الاتفاق أن يفتح الباب رسمياً على أبواب المفاوضات حول منطقة الشرق الأوسط. ولهذا، فإنّ ثمة حراكاً دولياً واقليمياً تشهده المنطقة يغلب عليه طابع التفاهمات على عكس العقدين الأخيرين من الزمن حيث طغت التوترات والحروب. وفي هذا السياق، يرى هؤلاء أنّ الخرق الفرنسي في جدار الأزمة اللبنانية – السعودية له توقيته وإن لم يفض في وقت قريب الى تغيير نوعي في العلاقة بين الرياض وبيروت، ولكنه يؤشر إلى منحى جديد في مقاربة المملكة لكل الملفات الخلافية، وفي طليعتها اليمن، وربطاً “حزب الله” ولبنان.