بغض النظر عن كيفية تقويم المواقف او القرارات التي تتخذها جامعة الدول العربية والتي لا تكتسب فاعلية كبيرة في الواقع، فإن ما شكله الدعم العربي في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الاحد الماضي، جنبا الى جنب مع اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي بعدما أعلنا دعم المملكة السعودية في مواجهة ايران، كان بمثابة تعبير عن استمرار الصراع العربي – الايراني وتفاقمه، ورسالة لا بأس بها عن محيط عربي غير مطمئن الى أداء ايران وتدخلها في دول الجوار العربي. فإيران التي تطل على رفع للعقوبات بدءا من منتصف الشهر الجاري على اثر توقيع اتفاق نووي مع الدول الغربية، وتاليا على انفتاح غربي يخرجها من عزلتها، تضيرها عزلة او عقوبات من جوارها المباشر في الدرجة الاولى، ويمكن ان تتأثر بها بعض الدول الغربية التي تربطها علاقات مصالح قوية مع دول عربية مؤثرة، علما أن دولا لم تجار المملكة في قطع العلاقات الديبلوماسية او استدعاء السفير الايراني لديها تبنت موقف الجامعة العربية.
وتقول مصادر ديبلوماسية ان خطوات ايران في الايام القليلة الماضية لجهة اتخاذها إجراءات عقابية في حق مسؤولين عن أمن السفارة السعودية التي أحرقت في طهران هي مؤشرات لرغبة ايران في تخفيف حدة التصعيد والتوتر مع المملكة السعودية التي حركت دول مجلس التعاون وجامعة الدول العربية وصولا الى باكستان. لكنها أيضا دليل على أن ايران احرجت دولياً وتسعى الى لملمة الآثار او التداعيات التي ترتبت على الاعتداء على البعثة الديبلوماسية السعودية. والواقع ان احراق السفارة السعودية وجه رسائل سلبية جدا في غير مصلحة طهران في هذا التوقيت بالذات، أي في عز محاولتها بناء جسور مع الغرب على قاعدة أن تغييرا جذريا سيعقب توقيع الاتفاق النووي وإعادة ترميم العلاقات الدولية مع الدول الغربية. الرسائل المسيئة الى إيران انها وجهت انذارات الى الدول الغربية بأن اي خلاف قوي مع السلطة الايرانية يمكن ان يترجم في اي وقت اعتداء على البعثة الديبلوماسية للدولة المعنية، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات كبيرة في ظل تجربة احتجاز السفارة الاميركية وبعثتها الديبلوماسية في الاذهان. فهذا التصرف من شأنه تعقيد علاقات طهران والحذر من الانخراط بقوة معها على الصعيدين السياسي والاقتصادي على أقل تقدير. ولذلك لم يتهاون الرئيس حسن روحاني في تعجيل الرسائل على الصعيد الديبلوماسي، وهي تفيد أن الاداء في طهران ازاء البعثات الديبلوماسية والاعتداء عليها أمر مرفوض. وبمقدار ما يمكن أن يعتبر ذلك سعيا من السلطة الايرانية لتخفيف التصعيد في اتجاه المملكة السعودية في أحد جوانبه، فإنه يرتبط أكثر بالحرص على منع اهتزاز صورة ايران لدى الخارج الذي يهرع الى الانفتاح عليها على صعد عدة، خصوصا أن الرئيس الايراني سارع منذ اللحظة الاولى للاعتداء على السفارة الايرانية الى اعتباره عمل مشاغبين من أجل استيعاب موقف الدول الغربية وتخفيف ردود الفعل ومنع اهتزاز صورة بلاده. ولعله نجح في ذلك نظرا الى انقسام الاعلام الغربي في تقويم التصعيد بين المملكة السعودية وايران بحيث حصل اصطفاف على خلفية ما يحصل في المنطقة بين المحاور، ولكن لم تكن هناك ادانة حازمة وحاسمة ضد طهران كما كان يحصل من قبل. لكن برز في المقابل استمرار الكلام الايراني من المتشددين في طهران ضد المملكة السعودية وحتى استمرار الانتقادات من فريق روحاني للرياض على اعدام نمر النمر وقطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران. أما الاجراءات الايرانية فبدت كأنها تلتف على مواقف المملكة او تفرغها من مضمونها في السعي الى تجييش المواقف العربية تضامنا، في ضوء الهجوم على السفارة السعودية في طهران من خلال الاجراءات العقابية التي اتخذتها، باعتبار ان هذه الخطوات لا لزوم لها ما دامت ايران نفسها من دانت الهجوم على السفارة وعاقبت المسؤولين عنه، وتاليا فإن ما قامت به ايران هو حماية لنفسها في كل الاتجاهات الخارجية والعربية على حد سواء.
وبغض النظر عما إذا كان ذلك يمكن ان يخفف التوتر نسبيا بين الجانبين السعودي والايراني ، فان ثمة مؤشرات غير مقلقة جدا سمحت ببعض التفاؤل، من بينها الحديث الذي ادلى به ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل ايام قليلة والذي قال فيه إن “الحرب مع ايران ستكون كارثة ولن نسمح بها”، مما أوحى بعدم رغبة في تصعيد الامور، من دون ان يعني ذلك زوال الصراع او خفض منسوبه بين الطرفين. اذ تستمر الحرب بالواسطة في دول المنطقة على غرار ما عكسته المواقف من تفرد لبنان بالامتناع عن التصويت في الجامعة العربية بالوقوف الى جانب المملكة السعودية في مواجهة ايران من استمرار التجاذب في الصراع السعودي – الايراني الذي بات يترجم باشكال متعددة في لبنان، ليس أقلها التعثر المتجدد في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، اضافة الى التصعيد الكلامي الاخير من قيادة “حزب الله” ضد المملكة السعودية، وصولا الى كلام قاس ضد الرئيس سعد الحريري في مقابل ردود لا تقل قساوة من “تيار المستقبل” ازاء الحزب، وانتقاد قاس لموقف وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء الدول العربية. ومع ان هناك ما يبرر الخشية من مواقف باسيل الذي يلتزم تياره المحور الايراني ويقيم معه تحالفا استراتيجيا، فإن كثرا يخشون في المقابل ان حدود السياسة الخارجية في لبنان باتت تخضع لطبيعة الصراع الاقليمي، خصوصا في غياب حكومة فاعلة ووحدة موقف خارجي.