النّفي، وإن كان سيّد الموقف، إلا أنّ لا شيء يبقى سرّاً في بلادنا التعيسة، وسواء كان هناك رسائل متبادلة بين السعوديّة وإيران، أم لم يكن، على المملكة العربيّة السعوديّة تحديداً أن لا تخدع نفسها بتصديق أن إيران «دولة حوار»، قبل أي قرار سياسي على السعوديّة مراجعة التاريخ الفارسي وتقليب صفحاته جيّداً، إيران لن تتخلّى عن أجندتها وإن اضطرّت أن تمثّل دور أفعى ناعمة الملمس!!
الصراع مرير وطويلٌ مع الفرس الذين تناقلوا جيلاً بعد جيل حقدهم على العرب، حتى وصل الصفويون إلى سدّة الحكم، فألبسوا سياستهم ثوباً جديداً، هو ـ ولاية الفقيه، ولمرّة جديدة نعود إلى ما سبق وقلناه مراراً، سيظلّ دائماً خير من كشف ضغائن الفرس وحقدهم «شاعرهم الرودكي» الذي قالها بصراحة «عمر بشكست پشته هجبران عجم را/ برباد فنا داد رگ وريش جم را/ اين عربده وخصم خلافة علي/ نسيت با آل عمر كينه قديم أست عجم را» وترجمتها: «الصراع والعداوة مع العرب ليس حبّاً بعليّ والدفاع عن حقّه في الخلافة/ ولكنّها البغضاء والعداوة لعُمَرَ الذي كسر ظهر العجم وهدَّ حضارتهم»!!
الصراع وإن بدا على هيئة صراع إيراني ـ سعودي إلا أنّه في وجهه الحقيقي هو صراع «عربيّ ـ فارسي» أو «إسلامي ـ مجوسي»، «الكسرويّة» المجوسيّة تحبس نفسها في «السياسة»، مع أنّ إيران تصدّر كل سياساتها تحت العنوان الدّيني، في آذار العام 2015 وكانت مقالة كتبها رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية «حسن هاني زاده» حملتْ عنوان «الوحدة بين إيران والعراق لا بدّ منها»، ورأى في مقالته سيئة الذّكر أنّ «أن الإرهاب يضرب ذلك العراق بسبب «الحقد العربي الدفين إزاء أتباع أهل البيت»!!
وبعيداً عن أحاديث «الرسائل المتبادلة» التي تجلب الهمّ والغمّ، نقول لمن خانته الذاكرة ـ في مقالة هاني زادة سيّئة الذّكر حقّر زاده العرب فخاطب العراقيين ـ كنموذج ـ بالقول: «على الشعب العراقي وبالتحديد البرلمان العراقي أن يتجه نحو الوحدة مع أصدقائه الحقيقيّين وينسلخ من ثوب العروبة المزيفة لأنّ كل ويلات العراق سببها وجود العربان (…) ووجّه زاده الدعوة إلى العراقيين لترك «العروبة المزيفة الجاهلية وتراب «الذل العربي» وتغيير ملابسهم بعيداً عن «الدشداشة والكوفية»!! وأمعن زاده في مقالته تلك في الخبث «الفارسي» فقال: «ليس العراق وحده الذي أصبح معرّضاً إلى هذه الضغينة والأحقاد الدفينة بل كل شريحة عربية أو غير عربية تنتمي إلى مذهب أهل البيت هي أيضاً معرضة لمثل هذه الأحقاد… سوريا، لبنان، باكستان وأفغانستان واليمن ضمن البلدان التي تتعرض إلى اضطهاد جهات متطرفة بدوافع طائفية بحتة راح ضحيتها الآلاف من أتباع أهل البيت»!!!
عُمْرُ هذا الصراع طويل جداً، ضاربٌ في تاريخنا، منذ ألّف الفرس كتبهم في العهديْن العباسي والصفوي، منذ كتاب «مثالب العرب» لهشام بن الكلبي، أو منذ معمر بن المثنى وهو من يهود فارس الذي ألّف كتباً كثيرة تعرّض فيها للعرب منها «لصوص العرب» و»أدعياء العرب» كما ألف كتاب «فضائل الفرس» وألف «عَيْلان الشعوبي» كتاب «الميدان في مثالب العرب»…
من تابع ما قاله قائد لواء فيلق القدس قاسم سليماني في حديثه المتلفز لوكالة إيرانية والذي كشف أنّه طوال حرب تموز كان في بيروت بل في الضاحية الجنوبيّة، بمعنى آخر كان يدير المعركة من لبنان، ويتباهى بتمجيد عماد مغنيّة واصفاً إياه بمن يُذكّر بمالك الأشتر! روي عن عبدالله بن سلمة قال: «دخلنا على عمر بن الخطاب معاشر وفد مذحج، فجعل ينظر إلى الأشتر ويصرف بصره، فقال لى: أمنكم هذا؟ قلت: نعم. قال: ما له قاتله الله، كفى الله أمة محمد شرّه والله إنّي لأحسب للمسلمين منه يوماً عصيباً».. من تابع هذا الكلام عليه أن يتيقّن أنّ هؤلاء يخوضون حروبهم على العالم العربي انطلاقاً من الكوفة، الزّمن عندهم توقّف هناك، أخوف ما نخافه على السعوديّة اليوم أن تقع في فخّ الحوار الإيراني، إيران لا تحاور، بل تسوّف وتماطل وتناور وتخادع إلى أن تتمكّن فتنقلب على كلّ اتفاقات الحوار، هؤلاء أهل تقيّة ولا أمان لهم!