سيظلّ يقال الكثير، خطأً أو صواباً، عن حاضر علاقة رئيس الحكومة سعد الحريري بالمملكة العربية السعودية ومستقبلها، ولكنّه لن يغيّر من حقيقة نظرة المملكة إليه ولا من نظرته هو إليها، فهي تنظر إليه على أنه أحد أبنائها وأحد أبناء لبنان، ولكنّها في الوقت نفسه منفتحة على جميع اللبنانيين، وهذا نهجُها منذ بداية العلاقات اللبنانية ـ السعودية والذي بلغ ذروة ازدهاره أيام الرئيس رفيق الحريري، وهو النهج الذي ترتاح إليه، على حدّ قول متابعين للموقف السعودي.
فالحريري في المقابل، حسب هؤلاء المتابعين، كأحد أبناء المملكة وكلبناني، يدرك مدى محبتها للبنان ومدى حرصها عليه واهتمامها به، على رغم المرحلة التي مرّت بها علاقته بها خلال الشهر الماضي في ضوء اعلانه استقالته من الرياض وما تلاها من احداث وردود ومضاعفات داخلية لبنانية واقليمية ودولية انتهت بعد عودته الى بيروت بتريث في هذه الاستقالة ومن ثم العودة عنها بعد اعادة تأكيد سياسة النأي بالنفس بإجماع كل المكونات الممثلة في الحكومة.
ومهما قيل في علاقة الحريري بالمملكة سلباً او ايجاباً، يقول المتابعون للموقف السعودي انفسهم، إنّ ذلك «لن يلغي حقيقة انّ الحريري هو جزء من المملكة مثلما هو جزء من لبنان، وأن لبنان والسعودية بلدان شقيقان وينتميان الى جامعة الدول العربية التي شاركا في تأسيسها لتكون جامعة لكلّ العرب ومعبّرة عن تطلّعاتهم وقضاياهم ومدافعة عنها».
ويفنّد هؤلاء المتابعون للموقف السعودي ما يعتبرونه «المكاسب» التي تحقّقت من إعلان الحريري إستقالته ومن ثمّ عودته عنها، ويوجزونها بالآتي:
- أوّلاً، على مستوى القرارات الدولية في شأن «حزب الله» وسلاحه وفي مقدمها القراران 1559 و1701، حصل إجماع عربي واقليمي جديد عليها، حيث يعاود المجتمع الدولي الآن التأكيد والتشديد عليها في كلّ المناسبات، وكان آخرها صَدر عن المجموعة الدولية لدعم لبنان التي التأمت الاسبوع الماضي في باريس، وهذا الإجماع يتبلور منذ ان بدأ بعض الدول يعلن انتهاء تنظيم «داعش»، فضلاً عن انّ استقالة الحريري عجّلت في طرح مصير «حزب الله» في دوائر القرار الاقليمية والدولية، حسب المتابعين للموقف السعودي.
- ثانيا، إعادة التشديد على سياسة «النأي بالنفس» بلبنان عن النزاعات والمحاور الاقليمية والدولية، وهي سياسة سبق للحكومة اللبنانية بكل مكوناتها ان التزمت بها، إلّا ان «حزب الله» وحلفاءَه حاولوا استخدام الحريري رئيس الحكومة غطاءً للسير في خدمة «محور الممانعة».
ولكن استقالته جاءت لتعيد تأكيد سياسة «النأي بالنفس» هذه قولاً وفعلاً، بدليل أنّ حرص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على «النأي بالنفس» جعل الحزب يدرك الخطأ الذي ارتكبه «محور الممانعة» وفريق 8 آذار إزاء رئاسة الحكومة، ما يعني انّ الاستقالة شكّلت فعلاً «صدمة ايجابية ولحظة حقيقة» لا بدّ لها ان تطرح نفسَها امام الحكومة والشعب اللبناني.
- ثالثاً، على مستوى توسّع شعبية الحريري، جاءت استقالته وما تضمنته من اسباب موجبة، لتعزّز دوره داخل فريق 14 آذار أولاً كزعيم للمسلمين السنّة في لبنان، وتزايد شعبيته واتساعها على المستويين الاسلامي والوطني ثانياً، الى درجة انّ بعض قيادات فريق 8 آذار وجمهوره تفهّموا اسباب استقالته ووجدوها مُقنِعَة على الرغم من انّ البعض يحاول ان يحرفَها عن اطارها الحقيقي والصحيح.
ويرى المتابعون للموقف السعودي «انّ استقالة الحريري شكّلت صدمة لـ»حزب الله» وحلفائه الى درجة انّهم ابتعدوا عن اسباب هذه الاستقالة في ما اتّخذوه من مواقف ليركّزوا على شكلها، ولكن بعدما انتفَت لديهم الافادة من «شمّاعة» كون الحريري محتجزاً في الرياض، ذهبوا الى «شمّاعة» الحديث انّ الحريري يريد ان يصفّي سياسياً اعداءه ممّن يسمون حلفاءَه، وفي تصرّف «الحزب» وحلفائه في هذا المضمار دلالة الى قوّة الصدمة التي تلقّوها من الاستقالة واسبابها، إذ ذهبوا الى استخدام هذا الامر إعلامياً بالحديث عن أنّ الحريري سينفصل عن حلفائه، وذلك لكي يصرفوا الأنظار عن الأسباب الحقيقية للاستقالة، وهي اسباب كان الحريري يتمسّك بها منذ اعلانه استقالته ولا يزال متمسّكاً بها بعد عودته عن هذه الاستقالة».
وعن الموقف السعودي من الحريري في ظلّ حديث البعض عن حصول شرخ بينه وبين الرياض سيمرّ وقت طويل لكي يزول، يقول المتابعون للموقف السعودي «انّ النظرة السعودية الى الحريري تتلخّص في انّها تعتبره ابنَ المملكة وإبنَ لبنان، وهو يدرك محبّة المملكة وحرصَها واهتمامها بلبنان وانفتاحها في الوقت نفسه على مختلف المكونات اللبنانية، وهذا النهج الانفتاحي هو الذي ترتاح اليه منذ بداية العلاقات السعودية ـ اللبنانية، وكان قد بلغ ذروته أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري».
امّا في ما يتعلق بالاستحقاق النيابي المقبل ونظرة الرياض اليه، فيقول المتابعون للموقف السعودي، انّ المملكة تتابع هذا الاسحتقاق مع حلفائها وتتمنّى ان يفضي الى نتائج تخدم لبنان واستقلاله وعروبته وتحقّق له مزيداً من الازدهار في حياته السياسية والعامة على كلّ المستويات، بما يعيده الى دوره الريادي العربي اقليمياً ودولياً.
والمملكة، يضيف هؤلاء المتابعون، «تريد الحفاظ على لبنان، هذا البلد الذي ليس هناك ايّ مسؤول في السعودية إلاّ وله ذكريات جميلة فيه، فضلاً عن مئات الالوف من المواطنين السعوديين الذين يزورونه منذ عشرات السنين، فهو بلد مؤسس لجامعة الدول العربية وله دور رئيسي فيها، ولا اهداف للمملكة العربية السعودية في السابق والآن في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان فيه سوى انّها تريده ان يعكس دوماً بهذا التنوّع الجميل الذي يتفرّد به، لوحةً جميلة للعالم عن الوطن العربي».