ينتظر أن تكون العلاقات اللبنانية ـ السعودية قد دخلت في مرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار المتغيّرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية منذ تَولّي الامير محمد بن سلمان منصب ولي العهد ليصبح الرجل الأقوى في المملكة بعد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو أطلق مشروع «رؤية المملكة 2030» الذي بات يحكم الآن، وفي المستقبل، علاقة المملكة بكل الدول العربية والعالمية، ومنها لبنان.
ويفترض ان تكون العلاقات اللبنانية ـ السعودية قد انتظمَت ديبلوماسياً في ضوء تسليم السفير السعودي الجديد وليد اليعقوب أوراق اعتماده أمس الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والذي استتبعَه بجولة على كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وآخرين، وذلك بعدما كان زار أمس الاول وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وسَلّمه نسخة عن اوراق اعتماده، على ان تنتظم هذه العلاقات سياسياً وعلى مختلف الصعد شيئاً فشيئاً في قابل الايام والاسابيع، وذلك على وَقع «رؤية المملكة 2030» ومتطلباتها على مستوى المستقبل، والتطورات التي تشهدها المنطقة.
والمطّلعون على أجواء العلاقة اللبنانية ـ السعودية يؤكدون انّ الزيارات الرسمية وزيارات العمل ستستأنف بين البلدين قريباً وعلى مختلف المستويات، وانّ رئيس الحكومة سعد الحريري ومسؤولين آخرين يمكن ان يزوروا المملكة في أي وقت مثلما يمكن لمسؤولين سعوديين ان يزوروا لبنان. فهناك لجنة عليا لبنانية ـ سعودية سبق للحريري أن عمل على تأليفها ووافقت المملكة عليها، ومن المتوقع ان تعقد أول اجتماعاتها قريباً في الرياض او بيروت.
وبحسب هؤلاء المطلعين، فإنّ بعض المسؤولين اللبنانيين حاول ربط قبول أوراق اعتماد السفير السعودي في لبنان بقبول المملكة أوراق اعتماد السفير اللبناني فوزي كبارة، فهذا الربط لم يكن في محله، لأنّ تأخّر المملكة في قبول أوراق اعتماد كبارة كان سببه وجود نقص في هذه الأوراق وعندما استكمَلها تمّ قبوله، علماً انّ المملكة كانت قد وافقت شفوياً على اعتماده في انتظار ان يستكمل أوراقه، ولم تربط ذلك بقبول اعتماد سفيرها في لبنان، وكذلك لم تستخدم هذا الأمر ورقة لأنها لو ارادت ذلك لكانت استخدمت أوراقاً كثيرة لديها، رداً على محاولة بعض الاطراف استخدام هذا الامر ورقة ضغط عليها، وهي لم تفعل هذا لأنها تنظر الى لبنان بكل مكوّناته وليس من منظور طرف بعينه وما يتخذه من مواقف.
على انّ تعيين المملكة سفيراً جديداً لها في لبنان يعني، في رأي المتابعين للعلاقات اللبنانية ـ السعودية، «انّ هذه العلاقات عادت الى وضعها الطبيعي بتمثيل ديبلوماسي كامل، ومن المتوقع ان تحصل زيارات متبادلة لمسؤولين في البلدين حيال كثير من الملفات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، ذلك أنّ المملكة لم تتخلَّ عن لبنان، ووقفت دائماً ولا تزال الى جانب الشعب اللبناني بكل فئاته وأطيافه، وتتمسّك بضرورة الحفاظ على امن لبنان واستقراره واستقلاله ولا تتدخل في شؤونه الداخلية كما تفعل دول أخرى في الاقليم.
ففي ظل المتغيّرات المستجدة على الساحة الاقليمية، فإنّ المُتابع لمشهد التظاهرات في ايران يكتشف انّ الايرانيين كرأي عام يرفضون التدخل الايراني في شؤون المنطقة، خصوصاً أنهم سمّوا الذين يتلقّون الدعم ومنهم النظام السوري و»حزب الله»، مُعتبرين أنّ الايرانيين هم الأحَق بهذا الدعم من القوى التي تتسبّب في زعزعة الامن في البلدان العربية»، على حد قول هؤلاء المتابعين.
ويشير المطّلعون على الجو السياسي السعودي السائد في هذه المرحلة إزاء لبنان الى «انّ المملكة العربية السعودية تتابع باهتمام الانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في ايار المقبل، والتي يفترض أن تنتج طبقة سياسية جديدة تنبثق منها سلطة جديدة، ولكنها لا تتدخل ولن تتدخل فيها، وتأمل في ان تفضي هذه الانتخابات الى فوز مرشحين يحققون تطلعات الشعب اللبناني».
وعلى مستوى مستقبل العلاقة بين المملكة والحريري بعد طَي أزمة الاستقالة، يؤكد هؤلاء المطلعون «انّ هذه العلاقة هي علاقة تاريخية واستراتيجية وستستمر في المستقبل «فالحريري هو إبن المملكة مثلما هو إبن لبنان، ويمكنه أن يزور الرياض في اي وقت وليس هناك اي مشكلة في هذا الصدد. والرجل على تَشاور مستمر مع القيادة السعودية في كل القضايا التي تهمّ البلدين راهناً ومستقبلاً».