فيما يمضي البيْك وليد جنبلاط وقت إجازة بعيداً من»الخلطة الوزاريّة» التي وضع «عصى» تعطيل في دولاب تشكيلها، وقرّر بأنّ «هناك بعضاً من الوقت الضائع»، لم تصادفنا أي إضاءة على زيارة البيْك إلى السعودية والحفاوة التي استقبل بها، يرافقه وريثه النائب تيمور جنبلاط، بالتأكيد الحركة السياسية والانقلابات بحسب الرياح سيبقى يقودها وليد جنبلاط، فالإبن محتاج لوقت طويل «للتقليع» في بحر السياسة اللبنانيّة المتلاطم.
تعيد المملكة العربيّة السعودية هيكلة سياستها في لبنان وشبك علاقاتها مع أفرقاء لبنانيين منهم زعيم المختارة، وبصرف النظر عن الحفاوة والسعادة الجنبلاطية بعودة العلاقة مع المملكة بعد «زعلة» و»قطيعة»، علينا أن نطرح السؤال بعد الإشارة إلى أن وليد جنبلاط لم يعد «بيضة القبّان»، برغم إصراره على فرض نفسه ممثلاً وحيداً للطائفة الدرزية في التمثيل الحكومي، وأنّه لم يعد باستطاعته الهروب إلى الإمام والقول بأنّه مع وسطيّة رئيس الجمهورية كما فعل أيام الرئيس ميشال سليمان، هنا يفرض السؤال نفسه، إن عادت لحظة «القمصان السود» مجدداً لتحكم المشهد اللبناني، ما الذي قد يوعز جنبلاط لكتلته بفعله؟ التاريخ سيعيد نفسه، منذ العام 1978 والتاريخ يعيد نفسه مع جنبلاط، هو مع «الغالب على أمره»، ومتى ضعفت قوة القويّ هو إلى جانب من توحي له لواقطه وراداراته أنّه قد يغلب!
أساساً، ذهب جنبلاط إلى المملكة، تسبقه جملة «مراعاة الخصوصيّة» اللبنانية، بمعنى أدقّ الرّجل يقول «لا تحمّلوني ما لا طاقة لنا به»، أحداث 7 أيار ما زالت ماثلة في ذهن جنبلاط، أساساً اكتشف الرّجل أنّه عندما «حزّت المحزوزيّة» وجد المختارة في مواجهة الضاحية، ومنذ ذلك التاريخ أجرى الرّجل حساباته بدقّة بناء على هذه المعطيات، وعليه لن يكون هناك ترجمة عمليّة على الأرض للزيارة الجنبلاطية للمملكة أكثر من عودة شيء من الدفء إلى هذه العلاقة التي يصفها جنبلاط بالتاريخيّة وإن كانت محكومة بالواقعيّة المريرة للحال اللبناني المزري الذي تباهى قاسم سليماني بحصته من النواب في برلمان 2018.
لا مفاعيل حقيقيّة ستترجم نتائج ملموسة على الأرض الجنبلاطيّة، في الأغلب الأعمّ هي زيارة تقديم للنائب الشاب تيمور جنبلاط للقيادة في المملكة جرياً على عادة السيّاس العرب في تقديم ورثتهم للقيادات الحاكمة، عسى أن يؤمنوا لهم الدّعم المطلوب لانتقال سلس للسلطة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء، ولكن «سلاح حزب الله» هو الحاكم الفعلي على الأرض لسياسات زعيم المختارة ولكلّ القيادات السياسيّة الأخرى في لبنان باستثناء رجل واحد هو الدكتور سمير جعجع فالرّجل حليفٌ لا تعصف به رياح التلوّن والتغيّر وقد أثبت بما لا يقبل الشكّ وعلى مدى ما يقارب العقود الثلاثة أنّه «ثابت» في زمن «المتغيّرين» و»المتحوّلين».
المهم الآن، أن لا يأخذ الزعيم الجنبلاطي راحته في شمال أوروبا، بالأمس شاهدناه ينشر صورة له من النروج، لا يحتمل الوضع في لبنان حلّ عقد التأليف الحكومي وقف الحال الذي يتعنّت فيه جنبلاط لمنع توير الأمير طلال أرسلان، تاريخياً الدروز فريقان يزبكي وجنبلاطي، هذه حقيقة لا يستطيع وليد بيك إنكارها، والبلد في أمس الحاجة إلى «عقدة بالنّاقص»، البلد لا يحتمل «الوقت الضائع» الذي يتحدّث عنه جنبلاط، أساساً البلد ضائع، وعلى وشك أن يضيع نهائياً، فيما تبدو اللحظة الجنبلاطيّة «لحظة ترف» كالعادة، تتسلّى بـ»الخلطة الوزاريّة» فيما الجميع يطالب بإنجاز التأليف الحكومي في أسرع وقت، لا أعرف إن كان البيْك قد نما إلى علمه أن لبنان يعيش وضعاً إقتصادياً شديد الخطورة، فيما هو يستمتع بـ»الوقت الضائع»!