تُسيطر السعودية على ساحتين حتّى تضغط على لبنان: «تويتر»، والملعب الدبلوماسي. أولاً، نجحت ضغوطها على الكويت حتّى لا يمرّ تعيين سفير لبناني «شيعي». وثانياً، تشدّ الخناق على تيار المستقبل عبر تأخير الموافقة على تعيين السفيرين اللبنانيين في أبو ظبي والرياض، المُعيَّنَين من قبل نادر الحريري
قبل نحو شهرين، دارت الآلة السعودية المخصصة للضغط على لبنان: زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان لبيروت وتغريداته على «تويتر»، ثمّ «ردّ الإجر» الذي قام به كلّ من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وصولاً إلى إعادة تجميع شخصيات «شيعية» مُعادية لحزب الله وحركة أمل بعد سبات طويل، وخَلق إطار جديد للنائب السابق فارس سعيد والدكتور رضوان السيّد تحت مُسمّى «المبادرة الوطنية».
على الرغم من ذلك، لم تظهر أي تأثيرات حقيقية للتهديدات السعودية، أكانت شعبية أم رسمية. يبدو الملعب الوحيد، حتى الساعة، الذي تفرض فيه الرياض شروطها، هو الملعب الدبلوماسي. ولا يقتصر الأمر على «إجبار» السلطات الكويتية على رفض تعيين دبلوماسي لبناني لأنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية. بل تعمد أيضاً إلى توجيه رسائل إلى التيار الأزرق، عبر تأخير قبول تعيين السفيرين اللبنانيين لدى السعودية، فوزي كبارة، ولدى الإمارات العربية المتحدة، فؤاد دندن، اللذين طرح اسميهما مستشار رئيس الحكومة، نادر الحريري.
في غضون 11 يوماً، تنتهي مهلة الثلاثة أشهر لموافقة الدول على تعيين الدبلوماسيين لديها. وردَت إلى بيروت موافقات جميع الدول على اعتماد السفراء الذين اختارتهم الحكومة اللبنانية، باستثناء الرياض وأبو ظبي والفاتيكان. مصادر في وزارة الخارجية تعتبر أنّ المماطلة السعودية والإماراتية «رسالة بالدرجة الأولى إلى رئيس الحكومة سعد الحريري»، من دون الفصل بين التأخير في إرسال السعودية لموافقتها على تعيين كبارة لديها، «والضغوط المُمارسة على لبنان».
اعترضت معراب على تخصيصها بقنصلية واحدة، في حين أنها طالبت بقنصلية ثانية
أسباب دولة الإمارات تختلف عن تلك السعودية. شقّ منها له علاقة بالمشكلة المادية بين حكام أبو ظبي والرئيس سعد الحريري، في ظلّ ما يُحكى عن استدانة الأخير أموالاً من إحدى المؤسسات المملوكة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، من دون أن يُسدّد الدين، رغم أنّ مصادر «المستقبل» تؤكد لـ«الأخبار» أنّ «الملفّ أُقفل». والشقّ ثاني سياسي، له علاقة أولاً بانفتاح التيار الأزرق على تركيا في ذروة الخلاف بين الأخيرة والإمارات، وثانياً بالمزايدات الخليجية ــ الخليجية بشأن الموقف من حزب الله وإيران. لا ترى مصادر التيار الأزرق نفسها معنية «بأي مزايدة يقوم بها أي طرف على حسابنا»، مُضيفة أنّه «لا يوجد حجّة حتى لا تتم الموافقة على كبارة ودندن». في الإطار نفسه، تتوقع مصادر وزارة الخارجية أن «تُرسل الرياض وأبو ظبي موافقتيهما قبل انتهاء المهلة. وإلا يكُن هناك توجه إلى تسعير الخلاف مع لبنان».
الدولة الثالثة التي لم تُرسل موافقتها بعد هي الفاتيكان، رغم كلّ محاولات الوزير جبران باسيل لإقناع الحبر الأعظم بتعيين جوني إبراهيم (انتمى سابقاً إلى محفل ماسوني) سفيراً لدى الكرسي الرسولي. لم ترفع «الخارجية» بعد رايتها البيضاء، «فلا يزال أمامنا وقت». أما في حال وصول الأمور إلى طريق مسدود، «فندرس احتمال إرسال قائم بالأعمال إلى الفاتيكان، بانتظار أن يُحال السفير لدى الأرجنتين أنطونيو العنداري على التقاعد، فيشغل إبراهيم مكانه، ويُعيّن سفير من خارج الملاك في الفاتيكان». ترفض المصادر الإفصاح عن اسم السفير، ولكن انتشرت معلومات عن إمكان تعيين عضو المجلس التنفيذي في الرابطة المارونية أنطوان قسطنطين سفيراً من خارج الملاك.
أما الفضيحة الكُبرى، التي ستبقى وصمةً سيئة في سجّل الخارجية اللبنانية، فهي الموافقة مع دولة الكويت على التعامل مع السفير ريّان سعيد بوصفه «شيعي»، لا مُمثلاً للدولة اللبنانية. رفضت الكويت تعيين سعيد لأسباب مذهبية، ولا سيّما بعد صدور الحكم بحق ما يُعرف بـ«خلية العبدلي»، فأحجمت «الخارجية» عن إرسال أوراق تعيين سعيد، عوض الإقدام على القيام بواجبها وإحراج الكويت.
العدائية الكويتية تجاه الشيعة، بشكلٍ عام، لها علاقة بتنامي نفوذ التيار السلفي داخلها الذي يتغذّى من السعودية. فكما قاد نواب سلفيون، أبرزهم وليد الطباطبائي، حملة ضدّ دعاة قدِموا إلى الكويت لإلقاء محاضرات في مراسم عاشوراء (راجع «الأخبار» تاريخ 30 أيلول)، يُحاولون القيام بالأمر نفسه في ما خصّ تعيين سعيد. وتتجه القيادة الكويتية إلى الانصياع لضغوطات التيار السلفي المُتشدد فيها، ومن خلفه السعودية. يبقى «أمل» وحيد هو أن ينجح الرئيس ميشال عون في إحداث خرقٍ ما، خلال زيارته للكويت ولقائه الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، مطلع تشرين الثاني المقبل. تقول مصادر «الخارجية»: «حاولنا إقناع الوزير علي حسن خليل بتعيين سفير شيعي في بلد آخر غير الكويت، ولكنّه يطلب المزيد من الوقت للمشاورات». وتطرح الوزارة خيارين للحل، الأول «تبديل بين السفارات، ولكن هذا الإجراء بحاجة إلى ما لا يقل عن الشهرين، نظراً إلى إعادة طرح الأمر على مجلس الوزراء، ثم مراسلة الدولة الجديدة وانتظار الجواب. أما الحلّ الثاني، فقد يكون بتعيين سعيد في منصب إداري في قصر بسترس».
أما السفير المُعين في واشنطن غابي عيسى، فإنه، بحسب مصادر الوزارة، «تقدّم بطلب التخلّي عن الجنسية الأميركية، وهو ينتظر الموافقة عليه ليكتمل ملّفه».
من ناحية أخرى، أتمت «الخارجية» نهاية الأسبوع الماضي ملفّ التعيينات في القنصليات العامة، ومن المفترض أن تصدر هذا الأسبوع بموجب مرسوم. وقد أتت على النحو الآتي: أنطوان عيد إلى مونتريال، ميرنا الخولي إلى لوس أنجلس، رودي القزي إلى ساول باولو، شربل معكرون إلى سيدني، عساف ضومط إلى دبي، جيمي دويهي إلى ريو دي جانيرو، الياس نقولا إلى لاغوس، صونيا بو عازار إلى مارسيليا، زياد عيتاني إلى ملبورن، عبد العزيز عيسى إلى إسطنبول، منير عانوتي إلى الإسكندرية، وليد حيدر إلى ميلانو، مجدي رمضان إلى نيويورك، سوزان موزي إلى ديترويت، غسان عبد الخالق إلى فوز دو إيغواسو (البرازيل)، وعلي قرانوح إلى جدة. لم تمرّ هذه التشكيلات على خير بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، فقد اعترضت قيادة معراب على تخصيصها بقنصلية واحدة (ريو دي جانيرو)، في حين أنها كانت تُطالب بقنصلية ثانية، كسيدني.