بدا واضحاً خلال الساعات الماضية أنّ ثمّة «نصفَ خديعة» إيرانية، ونصفَ تجاوبٍ سعودي، تُرجم بالإعلان «رسمياً» عن وقف «عاصفة الحزم» في اليمن، ما أبقى البابَ موارباً على شتى الإحتمالات.
الحديث عن حلحلة في الملفات اللبنانية مرتبط بما سيحصل في العراق وسوريا تقول المعلومات في واشنطن إنّ الإيرانيين أَبلَغوا عبر قنوات الإتصال التي نشطت في الأيام الأخيرة، إستعدادهم لتبنّي حلّ سياسي في اليمن يعيد الأمور الى ما كانت عليه قبل إعلان الحوثيين «إعلانهم الدستوري».
كما أعلنوا إستعدادهم لإجبار الحوثيين على إلغاء مفاعيل إنقلابهم السياسي والميداني الذي بلغ ذروته مع إعلانهم دفع مكافأة مالية لمَن يقبض على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد هروبه من صنعاء الى عدن.
لكنّ ما حدث بعد تلك التعهّدات، أظهر أنّ الإيرانيين يسعون الى كسب الوقت، في وقت بدا أنّ السعودية حقّقت ما تريده من عمليّتها عبر تثبيت مرجعيتها او على الأقل أرجحيّتها في صياغة أيّ حلّ في اليمن.
تقول أوساط أميركية مطلعة «إنّ ما سعت السعودية الى تثبيته بعدما أُجبرت على التدخل في هذا البلد، هو فرض معادلة «آنتي لبنان». بمعنى آخر، أنه اذا كانت لا ترغب بالغرق في مستنقع التدخل البرّي، إلّا أنها من الآن فصاعداً ستُدير توازناً يمَنياً يقطع الطريق على إيران ويمنعها من السيطرة عليه كما سيطرت على لبنان عبر «حزب الله». فسيطرة الحزب المطلقة على لبنان في ظلّ فراغ القوة الذي تعيشه المكوّنات الاخرى فيه، لن تسمح السعودية بتكراره في اليمن.
من هنا يُفهم قرارها بدء المرحلة الثانية من هجومها المعاكس في اليمن على أنه قرارٌ بدعم ورعاية وتسليح مكوّنات يمَنية مختلطة وإدارة مواجهة، لتحقيق التوازن الميداني مع جماعة الحوثيين وعلي عبدالله صالح بعدما أفقدتهم السيطرة الإستراتيجية».
وتضيف هذه الأوساط «أنه مهما قيل وكُتب عن إرغام السعودية على وقف غاراتها الجوية، إلّا أنّ واقع الحال يُظهر أنّ دورها السياسي في اليمن يكتسب زخماً ومظلة دولية حقّقها قرار مجلس الأمن، ما قد يؤهلها للرد على الخروق الإيرانية المتوقعة، بعدما بدا واضحاً أنّ طهران لن تدخل في أيّ مواجهة مباشَرة، طالما أنها تحتفظ بأدوات محلية عدة لتنفيذ سياساتها في المنطقة.
وفيما أدركت إيران أنّ المظلة الدولية، خصوصاً الأميركية، لن تسمح بالمساس بإستقرار السعودية، تمكنت الرياض أيضاً من إنتزاع موقع اقليمي لا يمكن تجاوزه في الحسابات الإقليمية».
وبحسب تلك الأوساط «فإنّ السعودية ستسعى الى نقل المواجهة مع طهران الى مختلف الساحات التي تدور فيها المواجهات بينهما. ونقطة المواجهة الساخنة بين الطرفين قد لا تكون اليمن من الآن فصاعداً، بل قد تكون سوريا. في حسابات الرياض أنه اذا كان في الإمكان وضع حدٍّ لتمدّد إيران في اليمن، فلا شيءَ يمنع من نقل المعركة الى سوريا حيث تتمتّع بحضور سياسي وميداني والقوات جاهزة ومجرّبة، في حين أنها تحتاج في اليمن الى وقت لإعادة بناء تحالفات قبلية وقوات عسكرية.
وخلافاً لما يُشاع عن أّنّ المنطقة متَجهة فوراً او أقلّه مع توقيع الإتفاق النووي مع إيران، الى مرحلة من التفاهمات، من العراق الى اليمن، فإنّ المعطيات تشير الى أنّ المواجهات قد تزداد حدّة، مع قرار «عاصفة الحزم» التي جاءت لتختصر طبيعة الرد العربي على إيران».
وتعتقد تلك الأوساط «أنّ القمة الأميركية ـ الخليجية المتوقَعة ستناقش ليس الخطر الإيراني عليها، بعدما تبيّن للجميع الحدود التي لا تستطيع طهران تجاوزها وعدم جدية تهديداتها، بل الاخطار الداخلية التي تمكّن كلّاً من طهران والجماعات المتشدِّدة على النفاذ اليها.
دول الخليج مضطرة للدخول في تحالفات إقليمية عدة، حيث يُتوقع أن تُثمر الإتصالات والإستعدادات الجارية مفاجآتٍ سياسية وميدانية تبدأ من تركيا، مع قرب تبلور معطيات جديدة تجاه سوريا».
وتلفت تلك الأوساط اخيراً الى أنّ الرسالة التي حملها الرئيس سعد الحريري الى واشنطن، تركّز على ضرورة الإستقواء وتقوية الأطراف المعتدلة في النسيج السنّي للمنطقة، في مواجهة المتشدِّدين سواء كانوا من الشّيعة او السنّة، في حين تدرك واشنطن أنّ الحديث عن حلحلة في ملفات لبنان السياسية والأمنية مرتبط بما سيحصل في كلٍّ من العراق وسوريا، سواءَ في الحرب على «داعش» أو في مواجهة التدخل الإيراني في هذين البلدَين أيضاً.