على رغم اتساع دائرة الحركة السياسية الداخلية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي واستمرار الاهتمام بخطوة ترشيح القوات اللبنانية لرئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون للرئاسة وما فرضت من مستجدات، فان الاضواء مسلطة بنحو اكبر على الخارج مع ازدحام اجندة اللقاءات المؤثرة في الملف اللبناني.
مصادر مواكبة للحركة السياسية اشارت الى تصاعد نبرة التحفظ او الرفض لترشيح «الجنرال» عبر مؤشرات داخلية وخارجية عدة. اذ جاءت أبرز مؤشرات التحفظ والتريث من عين التينة، فيما اختار حليفها رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، ان ينأى بنفسه عن «الصراع المسيحي – المسيحي»، وانعكاس اي رد فعل على العلاقة الدرزية- المسيحية في الجبل التي يشكل «القوات» و»التيار الحر» ركناً أساسياً فيها. فبعد أن تلقَّف لقاء باريس بين الحريري وفرنجيه مولما للمرشح الجدي غير الرسمي، قرر القيام بانعطافة ثلاثية الأبعاد: أبقى على ترشيح النائب هنري حلو، ثمن ترشيح النائب فرنجيه وبارك التقارب بين عون وجعجع وخاتما بالتذكير بمصالحة الجبل، في محاولة اراد منها التريث في تحديد موقفه إلى حين تبلور المواقف،ذلك أن حدود خطوة جعجع لن تتعدى ايجابياتها الوحدة والارتياح في الشارع المسيحي، ذلك ان أحدا لا يمكن ان يقتنع بأن ما لم تعطه المملكة العربية السعودية للرئيس الحريري بالامس قد تعطيه لرئيس حزب القوات اللبنانية اليوم.
وسط كل ذلك استوقفت المصادر موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي لدى مغادرته بيروت الى روما الذي أعلن بوضوح تأييده لموقف بري عن انه لا يكفي أن يتم ترشيح عون من جعجع لتأمين الاستحقاق الرئاسي، مؤكداً «ان انتخاب رئيس شأن لبناني والمسؤول عنه هو البرلمان المؤلف من كل المكونات الدينية والسياسية في لبنان»، بما أوحى ان الراعي يشعر بإحراج بعدما أبدى تأييداً ضمنياً لفرنجية ومن ثم ترحيباً بلقاء معراب.
مصادر سياسية متابعة اشارت الى أن الارتباك لم يصب تيار «المستقبل» وحده بل «حزب الله» أيضاً، من زاوية محاذرة مجابهة خيار «المسيحي القوي» باتفاق جعجع وعون، مبدية اعتقادها أن الإحراج عند حارة حريك لا يقل أهمية عن ذلك الذي اصاب «المستقبل»، نظراً إلى أن المطروح عليها أن يتخلى عن أحد حليفيها، وأنه إذا قررت ترجيح كفة عون سيضطرها ذلك لإلغاء خيار فرنجية، وهو أمر صعب، نظراً إلى أن صداقته مع سوريا يحسب لها حساب على رغم ضعف العامل السوري في الوضع اللبناني الداخلي، الذي لم يصل الى حد شطب هذا الدور.
وفي هذا الاطار علم ان المستشار السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، والحاج وفيق صفا، بدءا تحركا بعيدا عن الاضواء لتذليل التباينات داخل فريق 8آذار حيال الاستحقاق الرئاسي، كما يشارك مسؤول ملف العلاقات مع الاحزاب المسيحية الحاج محمود قماطي بالاتصالات التي تهدف الى ايجاد ارضية مشتركة تؤدي الى النزول الى ساحة النجمة بمرشح واحد، لان خوض معركة انتخابية بين عون وفرنجية غير واردة بالنسبة الى الحزب «المرتاح» بعد انحصار المنافسة بين مرشحين من حلفائه.
في موازة الحراك الرئاسي الداخلي، برز في الافق السياسي نشاط رئاسي خارجي قد يكون مساعدا في فكّ العقد التي ما زالت تعرقل الانتخابات الرئاسية، يتوزّع على محطات ثلاث، الاولى زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التي بدأها الى الفاتيكان، الثانية زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى فرنسا،والثالثة اعلان الرئيس هولاند انه «ينوي القيام بجولة للبحث في ازمة الفراغ الرئاسي في لبنان، وسط معلومات عن تبلغ باريس من الرياض استمرار «الفيتو» على المرشح ميشال عون، «فيتو» يعيد اللعبة الرئاسية الى المربع الاول، فالمملكة التي تعتبر لبنان ساحتها، ستجد من يقطع الطريق على عون وحتى على الجلسة بسهولة، واول الغيث سيأتي من موقف كتلة المستقبل بعد لقاءات الرياض التي اعادت التأكيد على ترشيح سليمان فرنجية.
الا ان مصدرا ديبلوماسياً في بيروت يرى أن «كلمة السر» محصورة بالموقف الإيراني وحساباته الإقليمية، في ضوء علاقاته المستجدة والسلبية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والتي يمكن أن تتضح مع انعقاد مؤتمر الحوار السوري بنسخته الجديدة قبل نهاية هذا الشهر، فإذا تبنّت إيران ترشيح عون، في إطار تفاهم إقليمي – دولي، فإنه سيُنتخب رئيساً للجمهورية من دون أن يكون هناك مرشّح آخر، إلا إذا أصرّ النائب وليد جنبلاط على استمرار ترشيح النائب هنري حلو تجنباً للوقوع بين «شاقوفين» 8 و14 آذار كما تقول مصادر الحزب الاشتراكي.
تراجعت الاندفاعة السياسية التي ولدها اعلان معراب حول انتخاب رئيس للجمهورية، كل الكتل النيابية رحبت بالاعلان، لكن كل كتلة تدرجت على طريقتها بعدم الالتزام بمضمونه الرئاسي. في المقابل المرشحان مستمران عون وفرنجية، والاسئلة باقية، ماذا سيحصل؟ هل بإنسحاب أحدهما؟ ام بالاختيار نيابيا بين اثنين؟وما هو المطلوب لخدمة حظوظ الجنرال في الوصول الى كرسي الرئاسة؟ وهل تكون الجلسة الإنتخابية المقبلة هي جلسة الفصل؟ وهل تبت الكتل خياراتها قبل الثامن من شباط؟وحدها الايام المقبلة تحمل الاجابة عليها، رغم ان الامل ضئيل في احداث خرق قبل جلسة الثامن من شباط، سيما ان ترددات ما حصل في معراب ستأخذ وقتها وان الحديث عن ضمانات او خطط بديلة قد لا تدفع بإنعقاد هذه الجلسة ،ما يعني عمليا «عودٌ على بدء» وخطة جديدة على أغلب الظن.