تأتي زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت في وقت تعيد فيه السعودية رسم سياستها الخارجية، من البوابة السورية
أضيفت زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لائحة المواعيد التي يضعها المسؤولون اللبنانيون كاستحقاق يؤشر الى مرحلة ما قبل الحدث وما بعده، لتبيان انعكاس ما يجري إقليمياً ودولياً على لبنان. ولعل الزيارة، في الشكل، اكتسبت أهمية من كسرها الروتين اللبناني الغارق في أزمات محلية صرف، قبل الحديث عن أي خلاصات تنتظرها بيروت ممّا سيحمله الوزير الايراني.
وكعادة أي حدث محلي أو إقليمي، تتعدد القراءات لما يمكن أن تنتجه زيارة ظريف، على غرار ما يحدث في محاولة جلاء صورة الحركة الاقليمية والدولية من واشنطن الى موسكو والرياض وطهران مروراً بدول الوساطات كألمانيا وعُمان.
ثمة قراءة تعاكس المنحى المتصاعد في الحديث عن مرحلة تطبيع للوضع «السلمي» في المنطقة وعن جنوح نحو تهدئة الصراع بين الرياض وطهران في الساحات التي تتواجهان فيها بفعل عدم قدرة السعودية على المواجهة، بحسب ما يعتبره خصومها، في ظل الحديث عن انتصار المحور الايراني بعد التطبيع الايراني ــ الاميركي.
في ما يقرأه سياسيون لبنانيون، أن السعودية لم تصبح بعد في وارد التسويات مع طهران، في الملفات التي ترى الاخيرة أنها حققت انتصاراً فيها، ولا حتى في المناطق التي تحاول إيران أن تمس الاستقرار فيها كبعض دول الخليج، أو تحاول فتح قنوات اتصال جانبية معها، كقطر والكويت، ما ضاعف من ريبتها تجاه خصمها الايراني.
ولم يحن الوقت بعد كي تقول الرياض إنها سلّمت بما أنتجه الحوار الغربي مع طهران في الملف النووي والملفات المتفرعة منه، لا سيما أن إيران تحاول تقديم نفسها للعالم الغربي بمظهر الدولة التي تحارب الارهاب المتمثل في التنظيمات الاصولية ذات الهوية السنية. وتعطي جولة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على عدد من العواصم المعنية بالازمات في المنطقة، وحرصه على إظهار الاختلاف في النظرة مع طهران وموسكو، في شكل علني وصريح، حول سوريا كعنوان رئيسي يظهر مدى الاختلاف بينهما في ملفات موازية، تأكيداً لما يقوله السياسيون اللبنانيون في ترجيح كفة التشدد السعودي.
تسعى الرياض الى تعويض «الانسحاب» الاميركي من التدخل مباشرة في ملفات المنطقة، بعد انتهاء عصر بكامله من التورط المباشر في الشرق الاوسط. وبإعادة تحريك ديبلوماسيتها وإعادة رسم سياستها الخارجية، من البوابة السورية، تريد السعودية التي تدرك أن واشنطن تحاول إقامة توازن بين محورين سني ــ شيعي، تتفرج على اختلافهما من بعد، أن تقوم بإدارة مصالحها وسياستها الخاصة، بعيداً عن تأثيرات واشنطن ومصالحها في المنطقة. وهي تستبق، في الجولة التي يقوم بها الجبير متزامناً مع الحركة الديبلوماسية المقابلة لظريف في دول المنطقة، زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لواشنطن في أيلول المقبل. كذلك تعمل في الاسابيع التي تفصل عن الزيارة المرتقبة على تجميع أوراقها التفاوضية، سواء على المستوى الاميركي أو في مقابل فورة السياسة الايرانية في التحرك سريعاً على أكثر من خط، لقطف ثمار الاتفاق النووي ومندرجاته.
وبحسب هؤلاء، فإن الحكم الجديد بالمعنى السياسي في السعودية لا يرغب في أن يظهر بمظهر المتهاون في إدارة الملفات من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان. ومن أجل ذلك تريد الرياض أن تقول كلمتها في شكل واضح، من خلال تدخل مباشر في هذه الملفات الحساسة.
ففي سوريا جددت الرياض تأييدها لـ»جنيف واحد» وأكدت استحالة بقاء الرئيس بشار الاسد في منصبه، وهي بذلك تعيد الحوار حول سوريا الى المربع الاول بعد شهور من الستاتيكو السياسي، وتؤكد في وقت سلّم فيه الاسد في خطابه الاخير بالواقع الجغرافي والعسكري الجديد لسوريا، أن المتغيرات التي حصلت على الارض ستكون في صلب أي حوار حول مستقبل سوريا، كما الحديث عن ضرورة إبقاء الجيش السوري لمرحلة ما بعد الاسد. ولا تهمل في الوقت ذاته ملف محاربة تنظيم «داعش»، فلا تترك لإيران أن تبيع الغرب هذا العنوان وحدها.
ولأنه لا يمكن فصل ما يرسم لسوريا عن مستقبل الوضع اللبناني، وحيث للنفوذ الايراني مدى أوسع ومباشر بفعل دور حزب الله، في وجه القوى الحليفة للسعودية، هناك قلق من احتمال إدخال لبنان من ضمن المواضيع الخلافية إقليمياً، إذ إن التهدئة التي كانت لا تزال سارية، جعلت لبنان يقترب أكثر من مرة في الاشهر الاخيرة من حافة الهاوية من دون أن يقع فيها. لكنّ القارئين في السياسة السعودية يرون أن الحالة التي يروّج لها حلفاء إيران، بالسماح بتخطّي خطوط حمر سمحت حتى الآن بالاستقرار الامني رغم كل المخاطر المحيطة بلبنان، والكلام عن تسهيل غير بعيد لانتخابات رئاسية وإعادة رسم السلطة بمعايير جديدة، قد يؤشر الى استعجال في قطف ثمار الانتصار النووي لبنانياً. ولهذا الاستعجال محاذيره التي يعرفها القائمون والقيّمون على الحوار بين حزب الله والمستقبل، في حين ان معارضي السعودية في لبنان يرون، في المقابل، أن بعض الخطوات الداخلية التي اتخذت أخيراً على مستوى الحكومة لم تكن عبثية، بل محسوبة بدقة، لإشعال القليل من فتيل الساحة الداخلية، كجسّ نبض أوّلي، قبل الذهاب بعيداً في تحديد ما يرسم للبنان.